Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 62-66)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال إبليس بعدها لُعن وطُرد وبعد إظهار العداوة وانتقاماً للحقد وإقداماً على الحسد { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } [ الإسراء : 62 ] وفضلته بالخلافة والسجود { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ الإسراء : 62 ] يعني : على صفة الإغواء والإضلال { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } [ الإسراء : 62 ] لأستولين على الأولاد بالإغواء ، كما قال : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] يعني : من عبادك المخلصين . { قَالَ ٱذْهَبْ } [ الإسراء : 63 ] يعني : على طريقك السوء في الإغواء والإضلال { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } [ الإسراء : 63 ] على الضلالة { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } [ الإسراء : 63 ] مكملاً . { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [ الإسراء : 64 ] أي : بتمويهات الفلاسفة وشبهات أهل الأهواء والبدع ، وطامات الإباحية ، وما يناسبها من مقالات أهل الطبيعة مخالفاً للشريعة { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ } [ الإسراء : 64 ] وهو كل راكب يركب الهوى ، ويقال الدنيا { وَرَجِلِكَ } [ الإسراء : 64 ] وهو كل ماشٍ حريص على الدنيا وشهواتها طالب للذاتها { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ } بتحصيلها من غير وجه بإسراف النفس وإنفاقها أو ممسكاً لها بالبخل لإتلاف الأولاد { وَٱلأَوْلادِ } بتضييع زمانهم وإفساد استعدادهم في طلب الدنيا ورئاستها متغافلاً عن تهذيب نفوسهم وتزكيتهم أو تأديبها وتوفيها عن الصفات المذمومة وتحليتها بالصفات المحمودة ، وتعلمهم الفرائض والسنن والعلوم الدينية ، وتحرضهم على طلب الآخرة والدرجات العلى ، والنجاة من النار والدركات السفلى ، { وَعِدْهُمْ } نيل المقصد الأعلى في الآخرة والأولى على البطالة وإتيان الهوى ، { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ } بكرم الله وعفوه وغفرانه للذنوب والمعاصي من غير توبة وإنابة { إِلاَّ غُرُوراً } [ الإسراء : 64 ] كما قال تعالى : { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [ لقمان : 33 ] أي الشيطان . وفي قوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الإسراء : 65 ] إشارة إلى أن عباد الله هم الأحرار عن رق الكونين وتعلقات الدارين فلا يستعبدهم الشيطان ، فلا يقدر أن يتعلق بهم فيضلهم عن طريق الحق ويغويهم بما سواه { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } [ الإسراء : 65 ] لهم في ترتيب أسباب سعادتهم وتفويت أسباب شقاوتهم والحراسة عن الشيطان والهداية إلى الرحمن . ثم أخبر عن أصناف ألطافه وأوصاف أعطافه بقوله تعالى : { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ } [ الإسراء : 66 ] يشير إلى فلك الشريعة يجريه في بحر الحقيقة ، المعنى إن لم يكن فلك الشريعة ما تيسر لأحد العبور على بحر الحقيقة . { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ الإسراء : 66 ] وهو جذبة العناية { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ الحديد : 21 ] يشير إلى أن جذبة العناية ليست بمكتسبة للخلق ؛ بل هي من قبيل الفضل لقوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ } [ الإسراء : 66 ] في الأزل { رَحِيماً } [ الإسراء : 66 ] فضلاً منه وكرماً .