Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 76-80)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي قوله تعالى : { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا } [ الإسراء : 76 - 77 ] إشارة إلى أن من سنة الله تعالى على قانون الحكمة القديمة البالغة في تربية الأنبياء والمرسلين ، أن يجعل لهم أعداء ليبتليهم بهم في إخلاص إبريز جواهرهم الروحانية الربانية عن غش أوصافهم النفسانية الحيوانية . كما قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام : 112 ] ثم قال : { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } [ الإسراء : 77 ] أي : تبديلاً ؛ لأنها مبنية على الحكمة والمصلحة والإرادة القديمة . ثم أخبر عن طريق خلاص الأنبياء والأولياء ورطة الابتلاء بقوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [ الإسراء : 78 ] يشير إلى إدامة الصلاة بالقرب الحاضر من دلوك الشمس وهو طول النهار { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [ الإسراء : 78 ] وهو طول الليل { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } [ الإسراء : 78 ] أي : إلى صلاة الفجر يريد استدامة الليل والنهار بالحضور والتناجي مع الله ، وهذه صلاة أخص الخواص الذين هم في صلاتهم دائمون . ثم قال : { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] يعني : من مراقب ليله ونهاره حاضراً بقلبه مع الله يكون له عند الصباح شهود الشواهد الحق ، بل الحق مشهود له . ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم من أمته وسائر الأنبياء والرسل بزيادة فضيلة ينالها في إدامة الصلاة وصرح له صلاة الليل ، فقال : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [ الإسراء : 79 ] أي : زيادة لك من دون سائر الخلق هذه الفضيلة ، وهي قوله : { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] والمحمود هو الله تعالى فيشير المقام المحمود إلى قيامة بالله لا بنفسه ، ولهذا عبر عن المقام المحمود بالشفاعة ؛ لأن الله تعالى قال : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] أي : قائماً به ولما لم يكن دخول هذا المقام بكسب العبد كسائر المقامان وهو يتعلق بجذبة الحق فعلم النبي صلى الله عليه وسلم طريق تحصيل الجذبة على مقتضى قوله : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] . بقوله : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] يشير إلى السير في الله بالله { وَأَخْرِجْنِي } [ الإسراء : 80 ] من حولي وقوتي وأنانيتي { مُخْرَجَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] بأن يخرجني منك بك { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ } [ الإسراء : 80 ] أي : منك لا من غيرك { سُلْطَاناً نَّصِيراً } [ الإسراء : 80 ] بتجلي صفات جمالك ، وفي الآية دليل على أن لكل ذي مقام لا يصل إلى مقام إلا بسعي ملائم لذلك ، كما قال تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } [ الإسراء : 19 ] أي : سعياً يلائم وصول درجات الجنان . وروي أن " رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض حاجة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما تريد " فقال : " مرافقتك في الجنة " ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أو غير ذلك " قال الرجل : " بل مرافقتك في الجنة " ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " فأعني بكثرة السجود " " .