Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 23-28)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله تعالى : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] يشير إلى عدم الاختيار والمشيئة لحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأمور ، وإن الاختيار والمشيئة لله تبارك وتعالى ، وأفعال العباد كلها مبنية على مشيئته كقوله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] ومن لم يعلق وقوع فعله بمشيئة الله ، فإن من سنته أن يجري الأمر على خلاف مشيئتهم ، كما كان حال سليمان عليه السلام في طلب الأولاد إذ دار على نسائه في ليلة واحدة وهن ثلاثمائة نسوة - والله أعلم - لتأتي كل واحدة منهن ولداً بأن يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله ؛ فما أتت بولد إلا واحدة منهن لا شق له ، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته اليهود عن أحوال أصحاب الكهف وعددهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سأخبركم " ولم يقل : إن شاء الله ، فأبهم الله أحوالهم عليه فقال : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } [ الكهف : 22 ] وهذا تأديب النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يكل علمها إلى الله تعالى ووعدهم بأن يعلمهم بها . ومن تأديبه قوله : { مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } [ الكهف : 22 ] يعني : نحن نعلم قليلاً من أمتك أحوالهم كرامة لك ، وإن لم نعلمكم بالتمام تأديباً لك ، فلا تخبر أنت بما أخبرناك عن أحوالهم { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً * وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 22 - 24 ] غيرنا لنخبرك تصرفاً بالاستقلال عن أحوالهم { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] أي : واذكر بقولك إن شاء الله إذا نسيت وجودك ، وإن لك تصرفاً بالاستقلال { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي } [ الكهف : 24 ] إذ لم يهدني إلى أحوالهم بالشرح يهديني بهذا التأديب { لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } [ الكهف : 24 ] أي : إلى طريق أقرب إليه وأرشد من هذا . ثم أخبر عن لبثهم في الكهف فقال : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً * قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } [ الكهف : 25 - 26 ] يعني : لو لم يخبر الله عن لبثهم ومدة إقامتهم في الكهف ما كان أحد أن يعلم بمدة لبثهم ولا هم بها علم كما { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ الكهف : 19 ] لجهلهم بحال أنفسهم { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الكهف : 26 ] أي : ما غاب عن أهل السماوات { وَٱلأَرْضِ } [ الكهف : 26 ] أي ما غاب عن أهل الأرض { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } [ الكهف : 26 ] أي : هو البصير بكل موجود وهو السميع بكل مسموع ، فيه أبصر من أبصر ، وبه سمع من سمع { مَا لَهُم مِّن دُونِهِ } [ الكهف : 26 ] أحداً أي : من دون الله { مِن وَلِيٍّ } [ الكهف : 26 ] يخبرهم عن غيب السماوات والأرض { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ } [ الكهف : 26 ] من الأزل إلى الأبد { أَحَداً } [ الكهف : 26 ] لعزته . ثم أخبر عن إيجابه تلاوة كتابه بقوله تعالى { وَٱتْلُ } [ الكهف : 27 ] على نفسك { مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } [ الكهف : 27 ] أي : عن من كتاب كتبه ربك في الأزل { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [ الكهف : 27 ] إلى الأبد وهو قوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } [ الكهف : 28 ] وهم القلب والسر والروح والخفي يعني : هم المجبولون على طاعة الله وطلبه وشوقه ومحبته ، كما أن النفس جبلت على طاعة الهوى ، وطلب الدنيا ومحبتها { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } [ الكهف : 28 ] معهم في طاعة الله وطلبه وترك هواها والركون إلى الدنيا وما فيها ؛ لتتصف بصفاتهم وهي العبودية على المحبة { بِٱلْغَدَاةِ } [ الكهف : 28 ] أي : غداة الأزل { وَٱلْعَشِيِّ } [ الكهف : 28 ] أي : عشي الأبد { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الكهف : 28 ] أي : يطلبون الوصول إلى ذاته تبارك وتعالى ويقصدون الاتصاف بصفاته . { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ } [ الكهف : 28 ] أي : عينا همتك { عَنْهُمْ } [ الكهف : 28 ] أي : عن القلب والسر والروح والخفي ؛ ليكونوا متوجهين إلى الله تعالى متوحدين في طلبه ، فإنك لم تراقب أحوالهم تتصرف فيهم النفس الأمارة بالسوء وتغيرهم عن صفاتهم ، فإن الرضاع يغير الطباع ، وإن طبع النفس أن { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 28 ] فيريدونها وبها ينزلون عن أعلى عليين إلى أسفل سافلين { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } في الفطرة الأولى { عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [ الكهف : 28 ] يعني : النفس { وَكَانَ أَمْرُهُ } [ الكهف : 28 ] في متابعة الهوى { فُرُطاً } [ الكهف : 28 ] أي : هلاكاً وخسراناً .