Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 89-98)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن جده في الطلب واتباعه للسبب بقوله : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } [ الكهف : 89 - 90 ] إشارة إلى أن هذا العالم عالم الأسباب لم يبلغ أحد إلى شيء من الأشياء ، ولا إلى مقصد من المقاصد إلا أن مكنه الله تعالى ، وأتاه سبب بلاغ ذلك الشيء والمقصد ، ووفقه لاتباع ذلك السبب ، فباتباع السبب بلغ ذة القرنين مغرب الشمس ومطلعها . وبقوله : { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } [ الكهف : 91 ] يشير إلى أنه كما أتيناه من كل شيء سبباً ؛ ليبلغ به إلى ذلك الشيء ، كذلك أتيناه علم سبب الذي يبلغ بين السدين ، { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [ الكهف : 89 ] أي : ذلك السبب . { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [ الكهف : 93 ] . فإن قيل : فكيف أخبر عنهم ؟ إنهم { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } . ثم قال : { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } [ الكهف : 94 ] قلنا : كلمة كاد : ليست لوقوع الفعل كقوله تعالى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [ مريم : 90 ] أي : قربت لانفطار فلم تنفطر ، وإذا دخل فيها لا الجحود دوماً النفي يكون لوقوع الفعل كقوله تعالى : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] أي : قرب ألاَّ يذبحوها فذبحوها ، وكذلك قوله : { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [ الكهف : 93 ] أي : قرب ألاَّ يفقهون قولاً يلين به قلب ذي القرنين ؛ ليجعل لهم السد ففقهوا بإلهام الحق تعالى : { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 94 ] والذي يدل على هذا قوله تعالى : { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } [ الكهف : 95 ] أي : أعطاني الله من التمكين في قبول الخير والعمل به خير من تجرد قولكم . { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } [ الكهف : 95 ] من ترتيب الآلات لا بالقول ، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } [ الكهف : 95 ] ففسر القوة بقوله : { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } [ الكهف : 96 - 97 ] . وفي قوله : { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } [ الكهف : 98 ] دلالة على نبوته ، فإنه أخبر عن وعد الحق تعالى ، وتحقق وعده وهذا من شأن الأنبياء وإعجازهم ، والله أعلم . ثم اعلم أن الله تعالى من كمال حكمته وقدرته جعل لوجود كل شيء سبباً من أسباب السماوات والأرض ، ولبلوغ كل أحد إلى مقام من مقامات الدنيا والآخرة ، وإلى قربة من قربات الحضرة سبباً مناسباً له ، فإذا أراد بلوغ أحد إلى مقام أو قربة يؤتيه سبب ذلك ، ويوفقه لإتباع ذلك السبب ، فكما أتى لذي القرنين { مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } [ الكهف : 84 ] ووفقه لاتباع الأسباب فاتبع سبباً حتى بلغ به مشرق الأرض ومغربها وجوانبها كلها ، وسخر الخلق ويسَّر الملك ، حصلت المقاصد بإتباع أسبابها . كذلك أتى لكل رسول ونبي وولي ومؤمن ومسلم وفاسق ومنافق وكافر أسباب بلوغه إلى الرسالة والنبوة والولاية والإيمان والإسلام والفسق والنفاق والكفر ، ووفقه لإتباع الأسباب حتى يبلغ مقام من القربة والجنة والنار ، فكل الخلق قد بلغوا بإتباع الأسباب التي أتاهم الله تعالى إلى مقاماتهم ودرجاتهم ودركاتهم ، وأقام كل واحد منهم في مقامه ومنزله إلا نبينا حبيب الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه أُعطِيَ أسباب العبور من المقامات كلها من البراق وجبريل والرفرف وغيره حتى بلغ إلى مقام قاب قوسين ، ثم انقطعت عنه أسباب السماوات والأرض فبقي بلا سبب من المخلوقات ، وهو من مقام نهاية المخلوقات فمسبب الأسباب ، فسبحانه وتعالى من عظم فضله عليه كان سبباً به حتى بعثه إلى مقام لا مقامية بفضله وكرمه بلا واسطة ، وهو المقام المحمود الذي قال تعالى : { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] وهو المخصوص به من بين سائر الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، فافهم جيداً .