Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 99-102)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أحوال القيامة وأهوالها وأهل القرب منها بقوله تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ } [ الكهف : 99 ] أي : خذلنا بعض من بقي بعد هبوب الريح الطيبة ، وقبض أرواح المؤمنين والمسلمين . { يَمُوجُ } [ الكهف : 99 ] بالهرج والمرج والقتل والقتال ، { فِي بَعْضٍ } [ الكهف : 99 ] فيه إشارة إلى أن الله تعالى خلق الخلق على جبلة الإنسانية التي رأت الملائكة بنظر الملكوتي في ملكوت آدم عليه السلام حيث قالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ البقرة : 30 ] فالله سبحانه وتعالى على قانون حكمته ، ووفق مشيئته الأزلية عصم من عصم منهم من إظهار هذه الصفات الذميمة ، وبدَّلها باستعمال أكسير الشريعة بالصفات الملكية والأخلاق الربانية ، وترك من ترك منهم بالخذلان ، فظهر منهم هذه الصفات الذميمة المجبولة عليها كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] ، وقال : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] . ولهذا ما كذب الله تعالى الملائكة حين قالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] فأجابهم بقوله تعالى : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ] يعني : أني أعلم من هم المنظورون بنظر العناية فاعصمهم عن إظهار هذه الصفات ، وأوفقهم لتبديلها ، وأزكيهم عنها كما قال تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } [ النساء : 49 ] وقال : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [ النور : 21 ] . وبقوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } [ الكهف : 99 ] يشير إلى أن الله تعالى من كمال قدرته يحيي الخلق بسبب ويميتهم به وهو النفخة ، فبالنفخة الأولى كما أفناهم بقوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] كذلك بالنفخة الأخيرة أحياهم كقوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } [ الكهف : 99 ] وفيه إشارة إلى أن الخلق محتاجون إلى اتباع سبب كل شيء ؛ ليبلغوا إليه وهم لا يقدرون على أن يجعلوا سبباً لشيء آخر على ضده ، والخالق سبحانه هو المسبب فهو قادر على أن يجعل الشيء الواحد سبباً لوجود الشيئين المتضادين ، كما جعل النفخة في الصور سبباً للممات والحياة . وبقوله تعالى : { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } [ الكهف : 100 ] يشير إلى أن جهنم لو كانت معروضة على أرواح الكافرين قبل يوم القيامة ، كما كانت معروضة على أرواح المؤمنين لآمنوا بها كما آمن المؤمنون بها إن لم يكن { أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ } [ الكهف : 101 ] من ذكر الله ، { وَكَانُواْ لاَ } [ الكهف : 101 ] { يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } [ الكهف : 101 ] لكلام الله ؛ لأن آذان قلوبهم مفتوحة والكافرون هم : { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ } [ الكهف : 101 ] أعين نفوسهم في غطاء الغفلة عن نظر العبرة ، وأعين قلوبهم في غطاء حب الدنيا وشهواتها عن رؤية درجات الآخرة ودركاتها ، وأعين أسرارهم في غطاء الالتفات إلى الكونين عن شواهد هذا الكون ، وأعين أرواحهم في غطاء تذكار ما سوى الله عن ذكر الله تعالى كما قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } [ الكهف : 101 ] يسمع به كلام الحق وكلام أرباب الصدق . { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } [ الكهف : 102 ] يشير به : إن قلوب عباده بيده يقلبها كيف يشاء ، فكيف يتخذ الكافرون أولياء من غير معونة من الله ، أو بغير إرادته وخلاف مشيئته ؟ وفيه أيضاً وعيد لمن ادَّعى محبة الله وولائه وهو بحسب أن يكفر بنعمة الولاء ويتخذ من دون الله أولياء ، { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ } [ الكهف : 102 ] البعد والقطيعة { لِلْكَافِرِينَ } [ الكهف : 102 ] الكافري النعمة ، { نُزُلاً } [ الكهف : 102 ] .