Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-40)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن مذمة الخلق في قوله الحق بقوله تعالى : { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } [ مريم : 34 ] يشير إلى أن ذلك المتولد من نفخ الروح المضاف ومريم القلب وهو ابن مريم القلب لا ابن الله ولا جزء منه { قَوْلَ ٱلْحَقِّ } [ مريم : 34 ] أي : هو المجعول من كلمة الله وهي قول كن ، { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } [ مريم : 34 ] يشكون ، فقائل يقول : هو ابن الله ، وقائل يقول بالحلول أنه قد حل في مريم القلب ، وقائل يقول بقدمه وقدم الروح ، ثم نفى عن ذاته جل جلاله هذه الأوصاف بقوله : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [ مريم : 35 ] أي : جزء ، فإن الولد جزء الوالد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فاطمة بضعة مني " وبقوله : { سُبْحَانَهُ } [ مريم : 35 ] نزَّه نفسه عن أوصاف المخلوقات كلها . ثم أخبر عن كمال قدرته بقوله : { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } [ مريم : 35 ] في الأزل { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ مريم : 35 ] في الحال ذلك الأمر المقدور في الأزل ، وبقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } [ مريم : 36 ] يشير إلى أن عيسى المتولد من مريم القلب يشهد أن الله الذي خلقه وخلقكم { فَٱعْبُدُوهُ } [ مريم : 36 ] بهذا الاعتقاد الخالص ، فإن { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ مريم : 36 ] يصل به العبد إلى الله عز وجل { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } [ مريم : 37 ] أي : تفرقوا ثلاث فرق : * فرقة : يعبدون الله بالسير على قدمي الشريعة والطريقة بالعبور على المقامات والوصول إلى القربات ، وهم : الأولياء الصديقون ، وهم : أهل الله وخاصته . * وفرقة يعبدون الله على صورة الشريعة وأعمالها ، وهم : المؤمنون المسلمون ، وهم : أهل الجنة . * وفرقة : يعبدون الهوى على وفق الطبيعة ، ويزعمون أنهم يعبدون الله كما أن الكفار يعبدون الأصنام ويقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] فهؤلاء ينكرون على أهل الحق وهم : البدع والهوى والزيغ والرياء والسمعة والشقاق وهم : أهل النار { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ مريم : 37 ] من هؤلاء { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ مريم : 37 ] أي : من شهود يوم يظهر فيه عظائم الأمور فيتبع كل عابد معبوده . وبقوله : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [ مريم : 38 ] يشير إلى أن من يأتي الله بقدم اليسر ما أسمعهم وأبصرهم ؛ لأنهم به يسمعون وبه يبصرون { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ مريم : 38 ] يعني : الذين ظلموا أنفسهم بإفساد استعدادهم اليوم في ضلال مبين باستعماله في غير موضعه { وَأَنْذِرْهُمْ } [ مريم : 39 ] أي : أعلمهم ؛ يعني : الظالمين { يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } [ مريم : 39 ] في الأزل بإيمان بعضهم ، وكفر بعضهم { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } [ مريم : 39 ] في العدم عن هذا القضاء { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ مريم : 39 ] أي : قضى للظالمين ما لم يؤمنوا . { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ } [ مريم : 40 ] أي : الوارث لأرض الوجود { وَمَنْ عَلَيْهَا } [ مريم : 40 ] أي : ومن في الوجود { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ مريم : 40 ] باللطف والقهر ؛ أمَّا باللطف : فبأن يغنيهم الله عنهم ويبقيهم به ، وأمَّا بالقهر بقوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] فيناديهم { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] أي : ملك الوجود فلا يجيب نفسه { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] .