Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 41-46)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن مقامات الأولياء وكراماتهم بقوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } [ مريم : 41 ] يشير إلى أن إبراهيم كان في كتاب الحق تعالى الذي كتبه قبل خلق المكونات مكتوباً بالصديقية والنبوة ، وإن الصديقية تلو النبوة ، ومن منها باقٍ لا يكون نبياً إلا وهو صديق ، وليس من شرط الصديق أن يكون نبياً ، ولأرباب الصدق مراتب : صادق وصديق ؛ فالصادق : من صدق في أقواله وأفعاله ، والصدوق : صدق في أخلاقه وأحواله ، والصديق : من صدق في قيامه مع الله بالله وفي الله ، وفي الفاني عن نفسه والباقي بربه . { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] يشير إلى : أب الروح وعبادته صنم الدنيا بتبعية النفس { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ } [ مريم : 43 ] أي : العلم اللدني { مَا لَمْ يَأْتِكَ } [ مريم : 43 ] وذلك ؛ لأن الفيض الإلهي إذا أفيض يقبله الروح لصفائه ، ولكن لا يمسكه للطافته ويقبله القلب الصافي ويمسكه لكثافته ، كما أن نور النفس الشمس إذا أفاض يقبله الهواء لصفائها ولكن لا يمسكه للطافتها ، وتقبله المرآة الصافية لصفائها وتمسكه لكثافتها ، فقد أوتي المرآة الصافية والأرض من نور الشمس ما لم يؤت الهواء ، فافهم جيداً . { فَٱتَّبِعْنِيۤ } [ مريم : 43 ] يا أبا الروح بالتوجه إلى الله { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } [ مريم : 43 ] مستقيماً إلى الله { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] أي : شيطان النفس { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } [ مريم : 44 ] بالطرد والإبعاد من الحضرة { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } [ مريم : 45 ] يعني : تكون يا أبا الروح قرين النفس ووليها بعد أن كنت في جوار الحق ووليه ، فأجاب آزر الروح : { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي } [ مريم : 46 ] من الدنيا وشهواتها وزخارفها { يٰإِبْرَاهِيمُ } [ مريم : 46 ] القلب { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } [ مريم : 46 ] عن وعظك ونصيحتك ومخالفتي فيما آمرك { لأَرْجُمَنَّكَ } [ مريم : 46 ] لأطردنك { وَٱهْجُرْنِي } [ مريم : 46 ] فارقني { مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] حيناً من الدهر .