Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 52-58)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله تعالى : { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } [ مريم : 52 ] يشير إلى أنا سمعنا موسى القلب من جانب طور الروح ، فإن طور الروح على جانب أيمن موسى القلب ، ووادي النفس على أيسره { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] بجذبات العناية إلى أعلى درجات طور الروح ، ويشير بقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } [ مريم : 53 ] إلى أن النبوة ليست كسبية ، بل هي من مواهب الحق تعالى يهب لمن يشاء النبوة ، ويهب لمن يشاء الرسالة من رحمته وفضله لا من كسبهم واجتهادهم على أن يكون توفيق الكسب والاجتهاد أيضاً من مواهب الحق تعالى ، وفيه إشارة إلى أن لموسى عليه السلام اختصاصاً بالقربة والقبول عند الله عز وجل حتى يهب أخاه هارون النبوة والرسالة بشفاعته ، والعجب أن الله تعالى يهب النبوة والرسالة بشفاعة موسى عليه السلام وأنه يهب الأنبياء والرسل بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله : " الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم عليه السلام " . ثم أخبر عن الصادق في وعده والصديق من بعده بقوله : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } [ مريم : 54 ] إلى قوله : { مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] الإشارة : إن بالألوهية يشير إلى الربوبية . { وَٱذْكُرْ } ذكراً أزليّاً { فِي ٱلْكِتَابِ } أي : في كتاب العلم الأزلي { إِسْمَاعِيلَ } إنه كان في علم الله بتقديره { صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } [ مريم : 54 ] فيما وعد الله بأداء العبودية { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } [ مريم : 54 ] أي : وكان مستعداً للنبوة والرسالة . وبقوله : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } [ مريم : 55 ] يشير إلى أن استعداده المقدر الأزلي اقتضى أن يأمر أهله الخاص والعام ؛ أمَّا الخاص : فالجسم والنفس والقلب والروح بالصلاة ؛ أي : يتوجه كل واحد منهم توجهاً يليق بحاله { وَٱلزَّكَـاةِ } [ مريم : 55 ] أي : بتزكية كل واحد منهم عن أخلاق ذميمة وأوصاف ردية ، وأمَّا العام : فأهله وأمته وقومه يأمرهم بالصلاة الجسمانية والمعنوية وكذا الزكاة { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ } [ مريم : 55 ] في الأزل { مَرْضِيّاً } [ مريم : 55 ] في الأعمال والأحوال . ثم قال : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ } [ مريم : 56 ] أي : كما ذكرت إسماعيل { إِنَّهُ كَانَ } [ مريم : 56 ] في العلم القديم { صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } [ مريم : 56 ] أي : مستعداً لكمال الصدق والنبوة { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] في التقدير الأزلي والمكان العلي ما يكون فوق المكونات عند المكون { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] . ثم أخبر عن أهل الإنعام من الخواص بقوله تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } [ مريم : 58 ] إلى قوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [ مريم : 60 ] ، قوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } [ مريم : 58 ] من النبيين ؛ يعني : الذين ذكرناهم والذين ما ذكرناهم من الأنبياء { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ مريم : 58 ] من الأولياء والمؤمنين { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ } [ مريم : 58 ] يعني : من الأولياء والمؤمنين { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ } [ مريم : 58 ] للهداية إلى حضرتنا من الأولياء خواص المؤمنين { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } [ مريم : 58 ] آياتنا ؛ أي : من نتائج الهداية إلى الحضرة والاجتباء إياهم ؛ أي : إذا تتلى عليهم آياتنا { خَرُّواْ } [ مريم : 58 ] بقلوبهم على عتبة العبودية { سُجَّداً } [ مريم : 58 ] بالتسليم للأحكام الأزلية { وَبُكِيّاً } [ مريم : 58 ] بكاء السمع بذوبان الوجود على نار الشوق والمحبة .