Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 47-51)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } [ مريم : 47 ] إبراهيم القلب { سَلاَمٌ عَلَيْكَ } [ مريم : 47 ] أي : كن في سلامة من الله { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } أي : سأطلب لك من الله مغفرة ورحمة يزيل بها عنك هذا الإعراض عن الحق والتمادي في الباطل { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] منعماً مكرماً { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ } [ مريم : 48 ] أي : وما تعبدون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ مريم : 48 ] من الدنيا والآخرة { وَأَدْعُو رَبِّي } [ مريم : 48 ] ليرحمكم ويهديكم إلى حضرة جلاله { عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي } [ مريم : 48 ] في نجاتك ورفع درجاتك { شَقِيّاً } [ مريم : 48 ] لا يسمع دعائي فأشقى . { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ } [ مريم : 49 ] إبراهيم القلب آزر الروح وقومه من النفس والهوى { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ مريم : 49 ] وأصنامهم من الدنيا وملاذها أنعم الله عليه بقوله : { وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } [ مريم : 49 ] أي : إسحاق السر { وَيَعْقُوبَ } [ مريم : 49 ] أي : يعقوب الخفى وهو سر السر { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } [ مريم : 49 ] أي : بلغناهم مقام الأنبياء ينبئهم الحق تعالى بالشواهد والكشوف عن علوم الحقائق والمعارف وهم ينبئون الخلق عن الحق وأسراره { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ } [ مريم : 50 ] لا يتكلمون إلا عن صدق النيات وخلوص الطويات كلاماً { عَلِيّاً } [ مريم : 50 ] عن الرعونات غير مشوب بالآفات . ثم أخبر عن خلاص أهل الإخلاص بقوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ } [ مريم : 51 ] إلى قوله : { هَارُونَ نَبِيّاً } [ مريم : 53 ] وأن في الكتاب موسى { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } [ مريم : 51 ] أي : إنه كان مخلصاً في إرادة شعيب عليه السلام وخدمته وموفياً بعهده متبعاً بدينه ، وصار ببركة صحبته ومتابعته { رَسُولاً نَّبِيّاً } [ مريم : 51 ] . ثم اعلم أن الإخلاص في العبودية مقام الأولياء ، فلا يكون ولي إلا وهو ولي مخلص ، ولا يكون كل مخلص نبياً ، ولا يكون رسول إلا وهو نبي ، ولا يكون كل نبي رسولاً . * والمخلِص بكسر اللام : من أخلص نفسه في العبودية بالتزكية عن أوصاف الإنسانية الحيوانية . * والمخلَص بفتح اللام : من أخلصه الله بعد التزكية بالتحلية بصفات الروحانية الربانية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " أي : من أخلص نفسه بالتزكية في الله ، ولله ظهرت ؛ أي : أظهر الله بالتحلية ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، وقال تعالى : " الإخلاص سر بيني وبين عبدي لا يبعد فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ؛ أي : أنا الذي أتولى تحلية قلوب المخلصين بتجلي صفات جمالي وجلالي ، وفي الحقيقة لا تكون العبودية مقبولة إلا من المخلصين كقوله : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] ولإخلاص المخلصين مراتب : * أدناها : أن تكون العبودية لله خالصاً ؛ ولا تكون لغير الله فيها شركة * وأوسطها : أن يكون العبد مخلصاً في بذل الوجود لله وفي الله . * وأعلى درجة المخلصين : أن يخلصهم الله من حبس وجودهم بأن يفنيهم عنهم ويبقيهم بجواره .