Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 189-190)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن سير الأخيار وسير الأبرار بقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] ، والإشارة فيها أن الأهلة { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } [ البقرة : 189 ] ؛ أي : للناس فيها اختيار كاشتغال كل طائفة بما هو أهله في تلك المواقيت على تفاوت أعمالهم ، ومواقيت هذا القوم في تفاوت أهوالهم ، فللزاهدين مواقيت أورادهم ، وللصادقين مواقيت مراقباتهم ، { وَٱلْحَجِّ } [ البقرة : 189 ] ، إشارة إلى ما يرد بحكم الوقت على الصديقين من غير أخيارهم ، ومن المحبوب على المحبين من غير اختيارهم بل باضطرارهم ، فللصديقين مواقيت أوقاتهم ، فمن كان وقته الصحو كان قياماً بالشريعة ، ومن كان وقته المحو ، فالغالب أحكام الحقيقة ، وللمحبين مواقيت أوصاف محبوبهم ، فإن خرجوا عن وصف وجودهم ودخلوا في حكم وصف محبوبهم والله غالب على أمرهم ؛ فهو من إحساس أحكام البشرية واستيلاء سلطان الحقيقة ، فإن تجلى لهم بوصف الجلال طاشوا ، وإن تجلى لهم بوصف الجمال عاشوا . { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } [ البقرة : 189 ] ، فيه إشارة إلى أن لكل شيء سبباً ومدخلاً لا يمكن الوصول إليه ولا الدخول إلا باتباع ذلك السبب والدخول ؛ لقوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً } [ الكهف : 84 - 85 ] ، نسب الوصول إلى حضرة الربوبية ، والمدخل فيها هو التقوى اسم جامع لكل بر من أعمال الظاهر وأحوال الباطن ، والقيام باتباع الموافقات واجتناب المخالفات وتصفية الضمائر ومراقبة السرائر ، فبقدر السلوك في مراتب القوى يكون الوصول إلى حضرة المولى كقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بتقوى الله فإنه جامع كل خير " . وقوله تعالى : { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } [ البقرة : 189 ] ؛ أي : غير مدخلها بمحافظة ظواهر الأعمال من رعاية حقوق بواطنها بتقوى الأحوال ، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } [ البقرة : 189 ] ؛ أي : حق التقوى ؛ لقوله تعالى : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] ، وقيل في معناه أن يطاع فلا يحصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، { وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } [ البقرة : 189 ] ؛ أي : ادخلوا الأمور من مداخلها . ثم ذكر مدخل القبول وقال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ البقرة : 189 ] ؛ أي : اتقوا بالله عما سواه ، يقال : فلان اتقى بربه ؛ يعني : اجعلوا نحوركم ومتقاكم مفركم ومفزعكم ومرجعكم منه إليه ، كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أعوذ بك منك " ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ البقرة : 189 ] ؛ لكي تنجو وتتخلصوا من مهالك النفوس بإعانة الملك القدوس . ثم أخبر عن النجاة وطريق نيل الدرجات بقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } [ البقرة : 190 ] ، والإشارة في تحقيق الآية أن قاتلوا من يمنعكم عن السير في سبيل الله ، أو أراد أن يقطع عليكم طريقه من شياطين الأنس والجن حتى نفوسكم ، وإن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا رجع من جهاد : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " ، { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [ البقرة : 190 ] ؛ أي : لا تجاوزوا عن حد الشرع ، فتجاهدوا بالطبع ولكن كونوا قانتين على قدم الاستقامة بقدر الاستطاعة ، وهو أن تقفوا حيث ما توقفون ، وتفعلوا ما به تؤمرون ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ البقرة : 190 ] ، فلا تجمعون طرفي الإفراط والتفريط .