Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 197-202)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أشهر الحج وشرائطها وحث على رعاية وسائطها بقوله تعالى : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [ البقرة : 197 ] ، الإشارة فيها أن قصد القاصدين إلى الله تعالى وطلب الطالبين ؛ إنما يكون في أشهر معلومات وأيام معلومات من حياتهم الفانية في الدنيا ، فأما بعد انقضاء الآجال وفناء الأعمال فلا يصلح لأحد السعي ولا يفيد القصد ، كما لا يفيد للحاج القصد بعد مضي أشهر الحج ؛ لقوله تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] ، وكما أن للحاج مواقيت معينة يحرمون منها ، فكذلك للقاصدين إلى الله ميقاتاً ؛ وهي : أيام الشباب من بلاغة الصورة إلى بلوغ الأربعين ؛ وهو : حد بلاغة المعنى ؛ لقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ الأحقاف : 15 ] ؛ ولهذا قال المشايخ : الصوفي بعد الأربعين نادر ؛ يعني : إن كان ظهور إرادته وطلبه يكون بعد الأربعين ، فوصوله إلى القصد الحقيقي يكون نادراً مع إمكانه ، ولكن من يكون طلب صدقه في الإرادة قبل الأربعين ، وما أمكنه الوصلة بقرب الاحتمال أن يكون بعد الأربعين حصول مقصوده بأن يبذل غاية مجهوده بشرائطه وحقوقه وحدوده من إقامة ، أو أن الطلب في عنفوان شبابه يستبعد له الوصلة في حال شيبه ، فجرى منه على الحيف بأن ضيع اللبن في الصيف ؛ ولكن يصلح للعبادة التي أجرها الجنة ، قيل : وقف صاحب ولاية على باب الجامع والخلق يخرجون منه في ازدحام وغلبة وكان ينظر إليهم ويقول : هؤلاء حشو الجنة ، وللمجالسة أقوام آخرون . { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } [ البقرة : 197 ] ؛ أي : صادقه صدق الالتجاء ، وقصد الحق في شرخ شبابه يتزر بإزار التواضع والانكسار ، ويرتدي برداء التذلل والافتقار ، { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [ البقرة : 197 ] ؛ أي : لا يخرج من أمر من الأوامر ، ولا يدخل في منهى من المناهي ، بل لا يخرج من حكم الوقت ولا يدخل فيما يورث المقت . { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } [ البقرة : 197 ] ؛ أي : لا نزاع للسالك الصادق في طلب الوصول مع أحد في شيء من الدنيا لا بالفروع ولا بالأصول ، وإلا فما تخاصم مع أحد ، ولا في جاهها لأحد تزاحم ، فمن نازعه في شيء منها يسلمها إليه ويسلم عليه ، فإن من دأب القوم { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] . { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } [ البقرة : 197 ] ؛ يعني : من هذه الجملة وغيرها من الخيرات ، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 197 ] ، قليله وكثيرة وإخلاصه ورياءه وسره وعلانيته ، { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ البقرة : 197 ] ، في الكلام تقديم وتأخير وإضمار تقديره وتزودوا يا أولي الألباب ؛ يعني : لكل سالك طريق زاد يناسب طريقه ، فزاد أولي القشور ؛ وهم : أهل الدنيا من الكعك والسويق وأمثاله ؛ لأن طريقهم ومقصدهم ومقصودهم أيضاً قشر بالنسبة إلى طريق الحق ، فإن طريقهم الأرض ، ومقصدهم ومقصدهم البيت ، ومقصودهم الجنة ، وهذا قشر بالنسبة إلى ما ذكرنا ، { وَتَزَوَّدُواْ } فإن خير المقاصد ينبغي أن يكون من { خَيْرَ ٱلزَّادِ } ، فأشار إلى : { تَزَوَّدُواْ } يا أولي الألباب من لب الزاد وهو التقوى { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } وخير التقوى أن تكون متقي ، إن تتقون بي مني ، فتقوى أهل القشور مجانبة الزلات والمزلات بالطاعات والمبرات تفهم إن شاء الله تعالى وتنتفع به . ثم أخبر عن الفضل مع ذوي الفضل بقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ البقرة : 198 ] ، الآيتين والإشارة فيهما أن قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ البقرة : 198 ] ، إعلام بأن للفضل كثرة وتنوعاً ؛ لأنه ذكره بالنكرة تقع على واحد على التعيين ؛ كقولك : جاءني زيد ، فهذا يدل على أن في الرجال كثرة ، ولكنه ما جاءك إلا واحد منهم ، فكذلك هنا يدل على أن في الفضل كثرة ، وليس على العبد جناح أن تبتغي أي : فضل يريده من الله وهو كثرة تنوعه تنقسم على ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أحوال العبد والتنوع والأقسام راجع إلى تغير أحوال العباد ولا إلى تغير صفات الحق تعالى . والقسم الأول منها : ما يتعلق بالمعاش الإنساني ، وهو على نوعين : نوع يتعلق بالأسباب من المال والجاه ، ونوع يتعلق بالغذاء واللباس الضروري وهذا القسم من الفضل مفسر بالرزق كقوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 10 ] ؛ أي : من رزق الله . والقسم الثاني منها : ما يتعلق بالمصالح الأخروية للعبد من الفضل ، وهو على نوعين : أحدهما ما يتعلق بالأعمال البدنية على وفق الشرع ، ومتابعة الشارع مجانبة طريق الشيطان المنازع كقوله تعالى : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } [ الفتح : 29 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 83 ] ، وثانيها : ما يتعلق بأعمال القلب ، وتزكية النفس لقوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } [ النور : 21 ] . والقسم الثالث : منها : ما يتعلق بالله عز وجل ، وهو أيضاً على نوعين : أحدهما : ما يتعلق بمواهب القربة كقوله تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] ؛ أي : قرباً كثيراً فإنه أكبر من الدنيا والآخرة ، وثانيها : ما يتعلق بمواهب الوصل كقوله تعالى : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الحديد : 21 ] ؛ يعني : فضل مواهب الوصلة أعظم من الكل كما قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم : { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ؛ يعني : أعظم فضله ما كان عليك خاصة دون الخلائق كلها ، ثم أعلم أن لكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة من الفضل مقاماً في الابتغاء . فأما القسم الذي يتعلق بالمصالح الأخروية : وهو فضل الرحمة ، فمقام ابتغائه ترك الوجود ، وبذل المجهود ، وهو في السير إلى عرفات ، وأما القسم الذي يتعلق بالله تعالى : وهو فضل المواهب فمقام ابتغائه هو عند الوقوف بعرفات المعنى ، فإن عرفات هي إشارة إلى المعرفة معظم أركان الوصلة لقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وأما القسم الذي يتعلق بالمصالح الدنيوية : وهو فضل الرزق فمقامه بعد استكمال الوقوف بعرفات المعرفة عند الإفاضة ، ففي الآية تقديم وتأخير تقديره إذا أفضتم من عرفات فليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ، وذلك لأن حال أهل السلوك في البداية ترك الدنيا والتجريد عنها ، وفي الوسط التوكل والتفريد ، وفي النهاية المعرفة والتوحيد ، ولا يسلم الشروع في المصالح الدنيوية إلا لأهل النهاية ؛ لقولهم في المعرفة وعلو همتهم بأن يطهر الله قلوبهم من رجز حب الدنيا الدنية ، ويملأها نوراً وحبوراً وسروراً بالألطاف الحقيقية ، فلا اعتبار للدنيا وشهواتها ونعيم الآخرة ودرجاتها عند الهمم العلية ، فلا يتصرفون في شيء إلا وتصرفهم بالله ، وفي الله ولله لا لحظوظ النفس بل لمصالح الدين ، وإصابة الخير إلى الغير ولهذا قال تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } [ البقرة : 199 ] والناس هاهنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وجميع الأولياء والأنبياء عليهم السلام ؛ فمعناه لا تفيضوا يا أرباب الطلب إلا بعد الوقوف بعرفات المعرفة { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ } [ البقرة : 198 ] ، المعرفة أفيضوا من حيث أفاض الأنبياء والأولياء في القيام بأداء حقوق التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله لا لاستيفاء الحظوظ ، كما قال عز وجل لحبيبه صلى الله عليه وسلم عند إفاضته بالرسالة إلى الخلق بعد وقوفه بعرفات { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 17 ] . فأعلم الله تعالى أن الإفاضة من عرفات المعرفة إلى مصالح الدنيا ورعاية حقوق الخلق ، ودعوتهم إلى الله خطر عظيم ولا يخلو عن نوع حظ من الحظوظ فعلق الإفاضة بشرطين لرفع الخطر ، وإزالة غائلة الحظوظ ، أحدهما : أمر بالمواظبة على وظائف الذكر بقوله تعالى : { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 198 ] ؛ يعني : بالقلب والمشعر الحرام هو القلب الذي حرام عليه الاطمئنان مع غير ذكر الله وحبه لقوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] ، { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ } [ البقرة : 198 ] ، معناه اذكروا الله ليهدي نفوسكم كما هدى قلوبكم لئلا تقع النفوس في خطر حب الدنيا ولا تميل إلى استيفاء حظوظها { وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } [ البقرة : 198 ] ؛ يعني : كما كنتم قبل الوقوف بعرفات المعرفة من الضالين في طلب الدنيا وحظوظ النفس . والثاني : أمرهم بالاستغفار لإزالة ضرر المحافظة مع الخلق وكدورة حظها بقوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 199 ] ، وهذا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار مع كمال مرتبته وجلال قدره بقوله { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [ النصر : 1 - 3 ] ؛ يعني : يزيل غين الحظ بالاستغفار وهو صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لاستغفر الله في يومٍ سبعين مرة " . ثم أخبر عن وجود رعاية الأحوال لأهل الكمال بقوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } [ البقرة : 200 ] ، إلى قوله : { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ البقرة : 202 ] ، والإشارة فيها أن في قوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } [ البقرة : 200 ] ؛ أي : قضيتم مناسك وصلكم ، وبلغتم محل الرجال البالغين من أهل الكمال الواصلين ، فلا تأمنوا مكر الله ولا تهملوا وظائف ذكر الله ، فاذكروا الله كذكركم آبائكم ، كما تذكرون في حال طفوليتكم آباءكم للحاجة ، والافتقار بالعجز والانكسار ، وفي حالة رجوليتكم تذكرون آباءكم للحجة ، والافتخار بالمحبة ، والاستظهار فاذكروا الله افتقاراً وافتخاراً ؛ لأنه يمكن للطفل الاستغناء عن أبيه ، وكذلك البالغ يحتمل أن يفتخر بغير أبيه ولكن العباد ليس لهم من دون الله من ولي ولا واق ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع كمال بلاغته يفتقر إلى الله تعالى ويقول : " اللهم واقية كواقية الوليد " ، ويفتخر بافتقاره ، ويقول : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر والفقر فخري " { فَمِنَ ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 200 ] ، من أهل الطلب والسلوك { مَن يَقُولُ } [ البقرة : 200 ] ، بتسويل النفس وغرورها بحسبان الوصول والكمال عند النسيان ، وتغير الأحوال { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا } [ البقرة : 200 ] ؛ يعني : تميل نفسه إلى الدنيا وتركن إلى زخارفها وشهواتها وتستحلي الجاه والقبول فيها عند أربابها بأن ينسى المقصد الأصلي ، والمقصود الحقيقي ، وظن الطالب الممكور أنه قد استغنى عن الجد والاجتهاد فأهمل وظائف الذكر ، ورياضة النفس ، وغلبت عليه الهوى واستهوته الشياطين في الأرض حيران له حتى أوبقته في أودية الهجران والفراق { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [ البقرة : 200 ] ؛ يعني : من أهل الوصول والكمال وأرباب الفتوة وأصحاب الأحوال { مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } [ البقرة : 201 ] ؛ أي : نعمة من النعم الظاهرة ، وهي العافية ، والصحة ، والسعة ، والأمن ، والفراغة ، والطاعة ، والاستطاعة ، والبذل ، والإعطاء ، والوجاهة ، والقبول ، ونفاذ الأمر ، وطول العمر في العبودية ، والتمتع من الأمور ، والأولاد ، والأصحاب ، والإرشاد ، والأخلاق { وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } [ البقرة : 201 ] ؛ أي : نعمة من النعم الباطنة ، وهي الكشوف والمشاهدات وأنواع القربات في المواصلات والعبور عن المقامات بتعاقب الجذبات ، والتمكن في الأحوال بحصول الكمال ، وبقاء الفناء في فناء البقاء ، وفناء الفناء في فناء البقاء { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] ، نار القطيعة وحرقة الفراق . { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ } [ البقرة : 202 ] ؛ أي : لهؤلاء البالغين الواصلين السائلين وحظ دائم نصيب وافر { مِّمَّا كَسَبُواْ } [ البقرة : 202 ] ، من المقامات والكرامات ، ومما سألوا من أنباء الحسنات { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ البقرة : 202 ] ، لكلا الفريقين فيما سألوا أي : يعطيهم بحسن نياتهم على قدر همهم وطوياتهم ، لقوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] ، وكقوله تعالى : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ ابراهيم : 34 ] ، وفي { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } إشارة إلى سرعة الحساب ، فيما يخطر ببال العبد في الحال يحاسبه به ويظهر أثر تلك الحسنة التي خطرت بباله في قلبه وروحه مع الخطرة بلا توقف قبل أن يتكلم بها ، أو يعلمها دليله قوله تعالى : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } [ البقرة : 284 ] ، فإن تكلم بها أو عمل زاد آثرها أو تركها ؛ فأما الحسنة فيبقى أثرها ، وأما السيئة فمحا أثرها ، وأثبت مكانها نور حسنته وذلك قوله تعالى : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذا تحدث عبدي بأن أعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها ، وقال : قالت الملائكة يا رب ذلك عبد يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، فإنه تركها من جبر أي : من أجلي " .