Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 111-115)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } [ طه : 111 ] أي : خشعت وتذللت وجوه المكونات ؛ لكونها الحي : الذي بحياته كل شيء ، القيوم : الذي فيه قيام كل شيء احتفاظاً واضطراراً واستسلاماً { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [ طه : 111 ] أي : خسر من تذلل وخشع وسجد لغير الله { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } [ طه : 112 ] أي : الأعمال التي تصلح للتقرب بها إلى الله تعالى { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ طه : 112 ] بالإيمان الحقيقي دون التقليدي { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } [ طه : 112 ] أي : فلا خوف عليه بأن يظلم فيسجد لغير الله { وَلاَ هَضْماً } [ طه : 112 ] بأن يظلم ويؤاخذ بما لم يعمل من الشر ، أو ينقص مما عمل من الخير شيء ؛ إذ أعماله مؤيدة بنور الإيمان الحقيقي . ثم أخبر عن القرآن العظيم والذكر الحكيم بقوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ طه : 113 ] إلى قوله تعالى : { عَزْماً } [ طه : 115 ] { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ طه : 113 ] أي : كما أنزلنا الصحائف والكتب إلى آدم وغيره من الأنبياء بألسنتهم ولغاتهم المختلفات ، كذلك { أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي : بلغة العرب وحقيقة كلامه هي الصفة القائمة بذاته المنزهة عن الحروف والأصوات المختلفة المخلوقة ، وإنما الأصوات والحروف تتعلق بلغات الألسنة المختلفة . { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } [ طه : 113 ] أي : أوعدنا فيه قومك بأصناف العقوبات التي عاقبنا بها الأمم الماضية وكررنا ذلك عليهم { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ طه : 113 ] عن التعلق بما سوانا نظيره قوله تعالى : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ السجدة : 21 ] أو يحدث لهم أنوار القرآن وأسراره وحقائقه ذكراً ؛ أي : يذكروا انتباهاً وذوقاً وشوقاً وهداية يهتدون بها إلينا لئلا ينقطعوا عنا { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } [ طه : 114 ] أي : هو أعلى من أن يعبد ما سواه بالباطل . وفي قوله تعالى : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] إشارة إلى سكوته عند قراءة القرآن واستماعه والتدبر في معانيه وأسراره ؛ لتنور بأنواره وكشف حقائقه ، ولهذا قال الله تعالى : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] أي : فهماً لإدراك حقائقه ، فإنها غير متناهية وتنوراً بأنواره وكخلق لخلقه . { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ } [ طه : 115 ] أي : من قبل أن يكون له أولاد ؛ أي : لا يتعلق بغيرنا ، ولا ينقاد لسوانا ، فلمَّا دخل الجنة ونظر إلى نعيمها { فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] عهدنا وتعلق بالشجرة وانقاد للشيطان { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] يحتمل معنيين : * أحدهما : إن الله تعالى لمَّا خلق آدم تجلى أدم فيه بجميع صفاته ، فصارت ظلمات صفات خلقيته مقلوبة مستورة بسطوات تجلي أنوار صفات الربوبية ، ولم يبق له عزم التعلق بما سواه والانقياد لغيره ، فلمَّا تحركت فيه دواعي البشرية الحيوانية ، وتداعت شهوات النفسانية ، واشتغل باستيفاء الحظوظ نسى أداء الحقوق ، ولهذا سمي الناس ناس ؛ لأنه ناس ، فنشأت له من تلك المعاملات ظلمات بعضها فوق بعض ، وتراكمت حتى صارت غيوم شموس المعارف وأستار أقمار المعارف ، فنسى عهود الله ومواثيقه وتعلق بالشجرة المنهي عنها ، والثاني : أن آدم عليه السلام ظنَّ أن المنهي في قوله : ( لا تقربا ) تناولهما معاً ، فيجوز لكل واحد على الانفراد أكله ! !