Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 100-110)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } [ طه : 100 ] يشير إلى أن من أعرض عن الذكر الحقيقي الذي قام به حقيقة الإيمان والإيقان والعرفان { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } [ طه : 100 - 101 ] أي : حملاً ثقيلاً من الكفر والشرك والجهل والعمى وقساوة القلب والرين والختم والأخلاق الذميمة والبعد والحسرة والندامة والحرق ، وكذا هنا حقيقة العبودية ودوام الذكر ومراقبة القلب وصدق التوجه لقبول الفيض الإلهي الذي هو حقيقة الذكر الذي أوله : إيمان ، وأوسطه : إيقان ، وآخره : عرفان ؛ فالذكر الإيماني : يورث الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة بترك المعاصي والاشتغال بالطاعات ، والذكر الإيقاني : يورث ترك الدنيا وزخارفها بحلالها وحرامها ، وطلب الآخرة ودرجاتها بالطاعات منقطعاً إليها ، والذكر العرفاني : يوجب قطع تعلقات الكونين ، والتكبير على سعادة الدارين ، وبذل الوجود على شواهد المشهود بقوله تعالى : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [ طه : 102 - 103 ] يشير : أنه إذا نفخ في الصور وحشر على أهل البلاء وأصحاب الجفاء يوم الفزع الأكبر { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [ المزمل : 17 ] { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . وإن ربنا قد غضب ذلك اليوم غضباً لم يغضب قبله ومثله ، ولن يغضب بعده ليرون من شدة أهوال ذلك اليوم ما يقلل في أعينهم شدة ما أصابهم من العذاب طول مكثهم في القبور ، فهم يحسبون أنهم ما لبثوا في القبور إلا عشرة أيام ، وثم قال تعالى : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } [ طه : 104 ] من عظيم البلاء وما يقولون { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } [ طه : 104 ] أي : أصوبهم رأياً في نيل شدة البلاء { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [ طه : 104 ] وذلك لأنه وجد بلاء ذلك اليوم عشرة أمثال ما وجدوه ، ومن شدة أهوال ذلك اليوم فقال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] أي : ويسألونك عن أحوال الجبال في ذلك اليوم { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] بتجلي صفة القهارية كما جعل الطور دكّاً . { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } [ طه : 106 - 107 ] من بقاياها { وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 107 ] من زواياها { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } [ طه : 108 ] أي : الذي دعاهم في الدنيا فأجابوا داعيهم لا يموج له في دعائهم ؛ يعني : كل داع من الدعاة لا يدعو غير أهله ، وكل تابع لا يتبع إلا داعيه نظير قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] أي : بداعيهم الذي هم يتبعونه . ثم اعلم أن لكل داع من الدعاة مجيباً في جبلة الإنسانية ؛ لأنه تعالى هو الداعي والمجيب كقوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ يونس : 25 ] فالله هو الداعي والمجيب بالهداية بحسب لسان المشيئة ، فافهم جيداً . ولهذا السر يوجد في كل زمان من متبعي كل داع خلق عظيم ، ولا يوجد من متبعي داعي الله إلا الشواذ من أهل الله ، ومن أهل داعي الهوى والدنيا والشيطان والملك والنبي والجنة والقربة يوجد في كل زمان خلق على تفاوت طبقاتهم وبقدر مراتبهم ، وبقوله تعالى : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [ طه : 108 ] يشير إلى أن داعي الله إذا عبد بالرحمانية خشعت وانقادت وذلت أصوات جميع الدعاة وانقطعت { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] أي : إلاَّ وطئ الأقدام الوعي المدعو ونقلها إلى داعية { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ طه : 109 ] إلاَّ من تجلى له الرحمن بصفة الرحمانية من الأنبياء والأولياء ؛ ليكون من أهل الشفاعة ، فبرحمته يشفع لمن يكون من الرحمة { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } [ طه : 109 ] أي : وهو مرضي القول لا يقول إلا ما كان لله فيه ؛ يعني : لا يشفع إلا برضاه . { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [ طه : 110 ] أي : يعلم اختلاف أحوالهم من يد وخلفهم { وَمَا خَلْفَهُمْ } [ طه : 110 ] اختلاف إلى الأبد { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] لأنه تعالى قديم ، وعلم المخلوقين لا يحيط بالقديم فيه إشارة إلى العجز عن كنه معرفته .