Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 17-35)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أصناف ألطافه مع خواصه بقوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 17 ] إلى قوله : { كُنتَ بِنَا بَصِيراً } [ طه : 35 ] يشير إلى أنه تعالى كان عالماً بأن في يمينه العصا إذ قال : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } [ طه : 17 ] وتلك تقال للمؤنث والعصا مؤنث ، وإنما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيهاً له ؛ ليعلم أن للعصا عند الله اسماً آخر وحقيقة أخرى غير ما علم منها ، فيحيل علمها إلى الله تعالى ويقول : أنت أعلم بها يا رب ، فلمَّا أنكل على علم نفسه وقال : هي عصاك ، قيل له : أخطأت ، هذا الجواب خطأين : أحدهما : في قولك إذ سميتها العصا . والثاني : في إضافتها إلى نفسك لقولك : { عَصَايَ } [ طه : 18 ] وهي ثعبان لا عصاك . فلمَّا قال : { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [ طه : 18 ] قال تعالى اتكأت على غيري ، فقال الله القهار : { يٰمُوسَىٰ } [ طه : 19 ] ليعلم أنها ليست تصلح للاتكاء ولا يصلح لك الاتكاء على غير الله إلا على لطفه وكرمه ؛ لأنه يكون ثعبان وتحسب أنه متوكأ لك وواسطة رزق أغنامك إذ قلت : { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [ طه : 18 ] وسعيت ونسيت أن الرزاق هو الله تعالى ، وأحلت مآربك إليها إذ قلت : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] ولم تحل مآربك إلى الله هو قاضي الحاجات مجيب الدعوات { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] لا عصى من خشب يابس فهرب منها موسى خائفاً مستحيياً خجلاً مما جرى عليه قولاً وفعلاً ، فرجع إلى الله بقلبه مستغفراً له . ثم أدركته العناية الأزلية وقال : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } [ طه : 21 ] يعني : كنت تحسب أن لك فيها المآرب والمنافع في البداية ، ثم رأيتها وأنت خائف من مغايرها فخذها ولا تخف ؛ لتعلم أن الله هو الضار والنافع ، فيكون خوفك ورجاؤك منه وإليه لا من غيره { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } [ طه : 22 ] أي : انزع يدك ؛ أي : يد همتك من غير الله وعنهم { تَخْرُجْ } [ طه : 22 ] من ظلمة الدارين نقية { بَيْضَآءَ } [ طه : 22 ] اللون نورانية { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [ طه : 22 ] مضرة خسارتك تعود إليك من ترك الدارين مع التصرف فيهما بالله في الله ولله وهو { آيَةً أُخْرَىٰ } [ طه : 22 ] . { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } [ طه : 23 ] وفيه إشارة إلى : إبعاده بالرؤية ؛ لأنها من آياته الكبرى ؛ يعني : إنك إذا ضممت يد همتك إلى جناحك بقطع تعلق الدارين ولا تلتفت إلى غير الله فتستحق رؤيته ، فإنك ما دمت تنظر إلى غيره لا تكون مستحقاً للنظر إليه ألا ترى أنك لمَّا امتحناك بالنظر إلى الجبل حرمت عن النظر إلينا ؟ وأمَّا محمد فلمَّا امتحن بكشف حقائق الدارين { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] ما التفت إلى ما سوى الله { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] لا جرم { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] . وبقوله : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [ النازعات : 17 ] يشير إلى معنيين : * أحدهما : إن السالك الصادق إذا بلغ مرتبة كمال يقضيه الله لدلالة عباده لهدايتهم وتربيتهم ودعوتهم إلى الله . * والثاني : إن كمال الكمال للبالغين في أن يرجعوا إلى الخلق لمخالطتهم والصبر على أذاهم ليخبروا بذلك حلمهم وعفوهم ، وفي قوله : { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي * وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 25 - 28 ] إشارة إلى أن الواصل الكامل لا يغتر بكماله ولا يعتمد على أحواله ، بل يكون مراجعاً إلى الله في جميع حالاته ، مراقباً مستعيناً به ساعياً في طلب الزيادة . وفي قوله : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } [ طه : 29 - 32 ] إشارة إلى أن صحبة الأخيار ومؤازرتهم مرغوب الأنبياء فضلاً عن غيرهم ، ولا ينبغي أن يكون المرء مستبداً برأيه مغروراً بقوته وشوكته ، وينبغي أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويجوز لنفسه الشريك في أمور المناصب ، وبقوله : { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } [ طه : 33 - 34 ] يشير إلى أن للجليس الصالح والصديق الصديق أثراً عظيماً في المعاونة على كثرة الطاعات ، والموافقة اقتحام عقبات السلوك وقطع مفاوزه { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } [ طه : 35 ] في الأزل ، وإنك شرفتنا باستعداد الرسالة .