Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 45-52)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والدليل على هذا التأويل قوله تعالى : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [ طه : 45 ] إلى قوله : { وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] قوله : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ } [ طه : 45 ] يشير : أن الخوف مركوز في جبلة الإنسان حتى لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة ، فإنه لا يخرج من جبلته كما قال : { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [ طه : 45 ] يعني : بأن يقتلنا ، ولكن الخوف ليس بجهة القتل ، وإنما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لأداء الرسالة والتبليغ ، كما أمرتنا إذ بتمرده وبجهله ولا ينقاد لأوامرك أو يسبك ، ويقول : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] . وبقوله تعالى : { قَالَ لاَ تَخَافَآ } [ طه : 46 ] يشير إلى أن الخوف إنما يزيل عن جبلة الإنسانية بخطابي إليه بأمر التكوين كما قال : { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] فكانت بتكوين الله إياها برداً وسلاماً { إِنَّنِي مَعَكُمَآ } [ طه : 46 ] بالنظرة والحفظ في الأزل ؛ إذ كنت أقدر نصركما ، وهلاكه على أيديكما { أَسْمَعُ } [ طه : 46 ] هذه مقالتكما قبل وجودكما { وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] أحوالكما وأحواله قبل أن أخلقكما بهذه الصفات . { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [ طه : 47 ] أعلم أن فائدة إتيانهما رسالتهما إلى فرعون وتبليغه كانت عائدة إلى موسى وهارون نفسهما لا إلى فرعون في علم الله عز وجل ، فالحكمة في إرسالهما : أن يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين ؛ ليتحقق رسالتهما ، وينكر فرعون ويكفر بهما ؛ ليتحقق كفره ، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } [ طه : 47 ] وهي اليد البيضاء بها يشير إلى يد صافية فارغة من الدنيا والآخرة { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [ طه : 47 ] أي : سلم من استسلم ، واتبع هدى الله وهي ما جاء به الأنبياء عليهم السلام . { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ } [ طه : 48 ] ضد السلامة { عَلَىٰ مَن كَذَّبَ } [ طه : 48 ] أي : كذب وكفر بما جاء به الأنبياء { وَتَوَلَّىٰ } [ طه : 48 ] أي : أعرض عن الله بمتابعة الهوى { قَالَ } [ طه : 49 ] فرعون { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } [ طه : 49 ] واختص موسى بالذكر دون هارون مع أن الخطاب كان معهما ؛ لأن صاحب الآيات كان موسى وكانت الرسالة له بالأصالة ولهارون بالوزارة بالتبعية . { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ } [ طه : 50 ] أعطى كل شيء استعداد لما خلق له { ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] أي : يسره لما خلق له والذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " اعملوا كل ميسر لما خلق له " معناه : أن الله تعالى خلق المؤمن مستعداً لقبول فيض الإيمان ، ثم هداه إلى قبول دعوة الأنبياء ومتابعتهم ، وخلق الكافر لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الأنبياء مخالفتهم . { قَالَ } [ طه : 51 ] يعني : فرعون { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } [ طه : 51 ] يعني : المتقدمين الذين لم يقبلوا دعوة الأنبياء فألفوهم { قَالَ } [ طه : 52 ] أي : موسى . { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } [ طه : 52 ] يعني : علم كل واحد من القرون أنه تعالى لماذا خلقه مستعداً لقبول الإيمان ، ولقبول الكفر ثابت في أم الكتاب عنده { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } [ طه : 52 ] عن الكتاب وعلمه { وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] .