Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 53-64)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أعرض عن أحوال أفعاله بقوله تعالى : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [ طه : 53 ] إلى قوله : { مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } [ طه : 64 ] فبقوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [ طه : 53 ] يشير إلى أن الحكمة في خلق الأرض هي أن تكون الأرض مهداً لكم { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } [ طه : 53 ] أي : لأجلكم لا لغيركم { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } [ طه : 53 - 54 ] به يشير إلى أن السماء والماء والنبات والأنعام كلها مخلوقة لكم ولسد احتياجكم للتعيش بهذه الأشياء ، بل بجميع المخلوقات ما خلقتها . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } [ طه : 54 ] أي : إن في ذلك التقدير رسالات ودلالات لذوي البصائر أنها خلقت لأجلهم ؛ لأنهم كانوا أهل المعرفة ، وخلقت المخلوقات فجاء صلى الله عليه وسلم لخلق المعارف كما قال في الحديث الرباني : " كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف " ، وفيه معنى آخر وهو : إن في ذلك الذي مرَّ ذكره ومن السماوات والأرض وما بينهما لآيات بأنه مظهر صفات لطف الحق ومظهر صفات قهره ، فإنهم يشاهدون فيه جمال لطفه وجلال قهره ستر الله ستراً بستر وإضماراً بإضمار . قوله : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } [ طه : 55 ] أي : من ذرة التراب التي أمر الله تعالى عزرائيل أن يأخذ من جميع الأرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [ طه : 55 ] أي : إلى الموضع الذي أخذ منه { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } [ طه : 55 ] بعد أن يجعل لكم جسداً مستعداً للبقاء الأبدي ، ثم قال : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } [ طه : 56 ] يعني : فرعون { آيَاتِنَا كُلَّهَا } [ طه : 56 ] أي : كل آية نهدي بها أهل البصيرة { فَكَذَّبَ } [ طه : 56 ] بها إذ لم يكن أهل البصيرة { وَأَبَىٰ } [ طه : 56 ] ألا يؤمن بها . { قَالَ } [ طه : 57 ] أي : فرعون . { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 57 ] وإنما قال هذا ؛ لأنه كان من أهل البصر لا أهل البصيرة ، فكان مطرح نظر بصره الدنيا وما فيها ، فرأى مجيء موسى لإخراجه من مملكة الدنيا ولو كان ذا بصيرة لرأى مجيئه لإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمات البشرية إلى نور الروحانية ، ومن نور ظلمات الإنسانية إلى نور الربانية ، فلمَّا رأى ببصر الحس المعجزة سحراً قال : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } [ طه : 58 ] وإنما طلب الوعد ؛ لأن صاحب السحر محتاج في تدبير السحر إلى طول الزمان وصاحب المعجزة لا يحتاج في إظهار المعجزة إلى الوعد { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] يعني : يوم عيدهم الذي يجتمع فيه الناس من كل مكان ؛ ليكون بمشهد خلق عظيم لعلهم يستجيبون عنهم ، فلا ينكرون المعجزة بعد إبطال السحر . { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } [ طه : 60 ] من السحرة سحرهم { ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } [ طه : 60 - 61 ] يعني : السحرة { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ طه : 61 ] أي : بإتيان السحر في معرض المعجزة إدعاء بأن الله قد أعطاه مثل ما أعطى الأنبياء من المعجزة { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } [ طه : 61 ] فيهلككم بوضع السحر موضع المعجزة ، فإنه ظلم عظيم لقوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [ الصف : 7 ] { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } [ طه : 62 ] إلى قوله : { بِسِحْرِهِمَا } [ طه : 63 ] أي : يفتنون بأن فرعون وسحرته يقولون : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } [ طه : 63 ] من مناصب شيخوختكم ومراتب قبولكم عند العوام { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } [ طه : 63 ] أي : بصرف وجود الناس عنكم ، ويذهبا بأشراف قومكم من الملوك والأمراء والمعارف وأهل الدثور والأموال { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } [ طه : 64 ] مكركم وحيلكم في دفع هذه المزاعم { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } [ طه : 64 ] أي : فإن من غلب ونال علو المرتبة بين الناس .