Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 77-82)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن خلاص أهل الإخلاص بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } [ طه : 77 ] يشير إلى أن موسى القلب والأخلاق الحميدة إذ أيدناه بالتأييد الإلهي بالأدب الرباني أن أسر بعبادي السر وهو روح القلب والأخلاق الحميدة وهي صفات القلب ؛ أي : سرت بهم من بر البشرية إلى بحر الروحانية { فَٱضْرِبْ لَهُمْ } [ طه : 77 ] بعصا الذكر لا إله إلا الله { طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ } [ طه : 77 ] بحر الروحانية { يَبَساً } [ طه : 77 ] من ماء الهوى وطين صفات الحيوانية { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] . وبقوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } [ طه : 78 ] يشير إلى أن موسى القلب كلما توجه إلى بحر الروحانية يتبعه فرعون النفس مع جنود صفاته الذميمة النفسانية ، كما أن النفس كلما توجهت بالخذلان إلى مراتع الحيوانية السفلية يتبعها القلب مع جنوده ، وهي الصفات الحميدة الروحانية ، فلمَّا دخل موسى القلب وجنوده في بحر الروحانية ، وبلغوا ساحل البحر وهو سرادقات العزة وحظائر القدس ، ودخل فرعون النفس وجنوده في بحر الروحانية { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [ طه : 78 ] من سطوات الروحانية وتموج بحرها بهبوب رياح العناية . { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ } [ طه : 79 ] النفس { قَوْمَهُ } [ طه : 79 ] أي : صفاته في بحر الروحانية { وَمَا هَدَىٰ } [ طه : 79 ] وما وفق غريق للخروج عن هذا البحر ، وهذا تحقيق قوله تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 27 - 30 ] وهي مراتب الروحانية ، والإشارة بأن النفس هي مركب سلطان ، فإذا بلغ السلطان بجذبات العناية إلى سرادقات العزة وأنزل حضرة الدين { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] يربط مركب وهو النفس في مراتب الجنان ، فإن فيها ما تشتهيه الأنفس فلا عبور لها عنها والمسخرة للوصول والوصال إنما هو سلطان القلب لا مركب النفس ، فافهم جيداً . ثم أخبر عن صفات أهل النجاة بقوله تعالى : { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } [ طه : 80 ] يشبه إلى بني إسرائيل صفات القلب والروح { قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } [ طه : 80 ] وهو فرعون النفس { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [ طه : 80 ] وواعدناكم جوار طور قرب الحضرة { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ } [ طه : 80 ] من صفاتنا ، { وَٱلسَّلْوَىٰ } [ طه : 80 ] أخلاقنا . { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ طه : 81 ] أي : اتصفوا بطيبات صفاتنا ، وتخلقوا بكرائم أخلاقنا التي شرفناكم بها ؛ أي : لو لم تكن العناية الربانية لمَّا نجَّا الروح والقلب وصفاتهما من شر فرعون النفس وصفاتها ، ولولا تأييد الإلهية لمَّا اتصفوا بصفات الله تعالى ولا تخلقوا بأخلاقه . ثم قال الله تعالى : { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } [ طه : 81 ] أي : إذا استغنيتم بصفاتي وأخلاقي عن صفاتكم وأخلاقكم فلا تطغوا بأن تدَّعوا العبودية ، وتدَّعوا الربانية ، وتسمُّوا باسمي إن اتصفتم بصفتي كما قال بعضهم : أنا الحق ، وقال بعضهم : سبحاني ما أعظم شأني ، وما أشبه هذه الأحوال مما يتولد من طبيعة الإنسانية { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] ، وإن طغيان هذه الطائفة بمشاهدة المقامات ، وإن كانت من أحوالهما إلا أن الحالات لا تصلح للمقامات وهي موجبة للغضب كما قال تعالى : { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } [ طه : 81 ] أي : بجعل كل معاملاته في العبودية هباءً منثوراً ، ولهذا الوعيد أمر الله تعالى عباده في الاستهداء بقوله تعالى : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة : 6 - 7 ] أي : اهدنا هداية من أنعمت عليه بتعريفه الطاعة والعبودية ، ثم ابتليه بطغيان يحل عليه غضبك ، ثم وعد بعد الطغيان بالمغفرة بقوله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ } [ طه : 82 ] ورجع من الطغيان بعبادة الرحمن { وَعَمِلَ صَالِحَاً } [ طه : 82 ] بالعبودية لربوبيته { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] أي : تحقق له أن تلك الحضرة منزهة من وسن الحس والخيال ، وأن الربوبية قائمة والعبودية دائمة .