Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 65-76)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إعزاز أهل الإعجاز وإذلال أهل الضلالة بقوله تعالى : { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 65 ] إلى قوله : { وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } [ طه : 76 ] يشير إلى أن السحرة لمَّا أمروا موسى بالتقديم والتأخير في الإلقاء إذ { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } [ طه : 65 ] أعزهم الله بالإيمان الحقيقي حتى رأوا بنور الإيمان معجزة موسى فآمنوا به تحقيقاً لا تقليداً ، وهذا حقيقة قوله تعالى : " من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً " . فلمَّا تقربوا إلى الله بإعزاز من أعزه الله أعزهم الله بالإيمان تقرباً إليهم ذراعاً ، فكذلك أعزهم موسى بالتقديم في الإلقاء وقال : { بَلْ أَلْقُواْ } [ طه : 66 ] وتقرب به إلى الله { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] أي : ما كان لها تسعى على الحقيقة بل بالتخيل ، وكانت تسعى عصى موسى بالحقيقة كقوله تعالى : { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] . وبقوله : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً } [ طه : 67 ] يشير إلى أن خوف البشرية مركوز في جبلة الإنسان ولو كان نبيّاً إلى أن ينزع الله الخوف منه انتزاعاً ربانياً بقول صمداني كما قال تعالى : { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 68 ] أي : أعلى درجة من أن تخاف من المخلوقات دون الخالق ، وفيه معنى آخر : أن خوف موسى عليه السلام ما كان من المكونات ، بل كان من المكون إذ رأى عصاه ثعباناً تلقف سحر السحرة قد علم أنها صارت مظهر صفة قهاريته فخاف من الحق تعالى وقهره ، لا من العصا وثعبانها ، فلهذا قال تعالى : { لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 68 ] أي : لأنك أعلى درجة عندنا منها ؛ لأنها عصاك مصنوعة لنفسك وأنت رسولي وكليمي { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] وإن كانت في مظهر صفة قهري فأنت مظهر صفات لطفي وقهري كلها . { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } [ طه : 69 ] به يشير إلى أن ما في يمينك هو مصنوعي وكيدي وما صنع السحرة إنما هو مصنوعهم وكيدهم . { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ } [ طه : 69 ] ومصنوعهم وكيدهم { حَيْثُ أَتَىٰ } [ طه : 69 ] مصنوعي وكيدي { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ القلم : 45 ] فلمَّا أظهر الله عز وجل كيده في صورة الثعبان وابتلع مصنوعهم وأظهر برهانه { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [ طه : 70 ] فكان الإيمان على البصيرة ببرهان الربوبية ؛ آمنوا بالبرهان بالتقليد ، وإن فرعون ما رأى برهان الربوبية فلم يؤمن بالتقليد فقد تحققوا أن المعجزة لم تكن سحراً ولا الرسول ساحراً { قَالَ } [ طه : 71 ] للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } [ طه : 71 ] وإنما قال : { أَشَدُّ عَذَاباً } [ طه : 71 ] لأنه كان بصيراً بعذاب الدنيا وشدته ، وكان أعمى بعذاب الآخرة وشدته . { قَالُواْ } [ طه : 72 ] يعني : السحرة { لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } [ طه : 72 ] أي : لن نختارك على ما جاءنا من نور الإيمان ورؤية البرهان والاطلاع على الجنان وجوار الرحمن { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } [ طه : 72 ] وهم قسم ؛ أي : بالذي فطرنا على فطرة الاسلام والتعرض للفاطرية لإيجابها عدم إيثارهم فرعون عليه تعالى { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } [ طه : 72 ] أي : فاحكم وأجر علينا ما قضى الله لنا في الأزل من الشبهات { مَآ أَنتَ قَاضٍ } أي : ما أنت الذي قضى لنا هذه الدرجة { تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } [ طه : 72 ] علينا كما قضى الله وقدره . { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } [ طه : 73 ] الذي قضى وحكم لنا { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } [ طه : 73 ] التي كنا نرى منكم الخير والشر { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } [ طه : 73 ] رغبة في خيرك ورهبة من شرك { وَٱللَّهُ خَيْرٌ } [ طه : 73 ] في إبطال الخير والشر ونفع البشر منك { وَأَبْقَىٰ } [ طه : 73 ] خيره من خيرك وعذابه من عذابك { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } [ طه : 74 ] بائعاً دينه بدنياه مشترياً صحبتك بمولاه { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ } [ طه : 74 ] البعد والقطيعة { لاَ يَمُوتُ فِيهَا } [ طه : 74 ] موتاً يستريح { وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] حياة ينتفع بها { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } [ طه : 75 ] بما وعد وأوعد على لسان أنبيائه { قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ } [ طه : 75 ] التي جاءوا بها { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } [ طه : 75 ] والمنازل القربى { جَنَّاتُ عَدْنٍ } [ طه : 76 ] في حظائر القدس . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ طه : 76 ] أي : من تحت أشجار الأنس أنها الحكم والمعارف { خَالِدِينَ فِيهَا } [ طه : 76 ] بالسير إلى الله وبالله وفي الله ، وتلك المقامات والدرجات { جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } [ طه : 76 ] عن أخلاقه الذميمة النفسانية وأوصافه السبعية الشيطانية ، وتحلى بالأخلاق الروحانية الربانية ، واعلم أن التحلية بهذه الأخلاق إنما يكون بعد تزكية النفس عن هذه الأوصاف .