Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 92-99)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إمارات الفتنة ، وأمَّا تأتها بقوله تعالى : { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ } [ طه : 92 ] إلى قوله : { مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } [ طه : 99 ] { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 92 - 93 ] إشارة إلى أن موسى عليه السلام لمَّا كان بالميقات مستغرقاً في شواهد الحق ما كان يرى غير الحق تعالى ، ويكن محتجباً بحجب الوسائل حتى أن الله تعالى ابتلاه بالوسائط بقوله تعالى : { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } [ طه : 85 ] يا موسى . { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } [ طه : 85 ] أضاف الفتنة إلى نفسه ، وأحال الإضلال إلى السامري اختياراً ؛ ليعلم منه أنه : هل يرى غير الله في أفعاله الخير والشر ؟ فما التفت إلى الوسائط وما رأى العقل في مقام الحقيقة على بساط القربة الآمنة وقال في جوابه : { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } [ الأعراف : 155 ] أضاف الفتنة والإضلال إليه تعالى مراعياً حق الحقيقة ، ولمَّا رجع إلى قومه نبينا مرسلاً رأى الوسائط ، وأحال فعل الشر إليهم مراعياً حق الشريعة ، فإنه قد بعث إلى الخلق للهداية بأن يخرجهم من ظلمات الطبيعة على قدم الشريعة إلى نور الحقيقة . { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } [ طه : 92 ] عن صراط عبودية الله تعالى بضلالة عبودية العجل { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } [ طه : 93 ] فتجزني لأرجع عليهم لئلا يقعوا في هلاك هذه الفتنة { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 93 ] كما عصى هؤلاء القوم أمري وأمر الله ، فلمَّا رأى هارون أن موسى رجع من تلك الحضرة سكران الشوق ملآن الذوق وفيه نخوة القربة والاصطفاء فما وسعه إلا التواضع والخشوع فقال : { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] لمعنيين : أحدهما : لتأخذه رأفة صلة الرحم فيسكن غضبه ، والثاني : ليذكره بذكر أم الحالة التي وقعت له في الميقات حين سأل ربه الرؤية { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] وجاءه الملائكة في حال تلك الصعقة يجرونه برأسه : يا ابن النساء الحائض بالتراب ورب الأرباب أتطمع رؤية رب العزة . وقوله تعالى : { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } [ طه : 94 ] بخروجك من بينهم . { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [ طه : 94 ] يعني : منعني ترقب قولك وطاعة أمرك عن أتباعك لا عصيان أمرك ، ثم { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } [ طه : 95 ] ما حملك على الذي فعلت { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } [ طه : 96 ] يعني : خصصت بكرامة فيما رأيت أثر فرس جبرائيل ، وألهمت بأن أنشأنا ما خص بها أحد منكم فقبضت قبضة { فَنَبَذْتُهَا } [ طه : 96 ] يشير بهذا المعنى إلى أن الكرامة لأهل الكرامة كرامة ، ولأهل الغرامة استدراج ، والفرق بين الفريقين : أن أهل الكرامة يصرفونها في الحق والحقيقة ، وأهل الغرامة يصرفونها في الباطن والطبيعة ، كما أن الله تعالى أنطق السامري بنيته الفاسدة الباطلة بقوله : { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } [ طه : 96 ] أي : لشقاوتي ومحنتي . { قَالَ } [ طه : 97 ] موسى عليه السلام مكافئاً له : { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } [ طه : 97 ] يشير به إلى أن قصدك ونيتك فيما سولت لك نفسك أن تكون مطاعاً متبوعاً آلفاً مألوفاً ، فجزاؤك في الدنيا أن تكون طريداً وحيداً مقتاً ممقوتاً متشرداً منتفراً ، تقول لمن رآك لا تمسني ، ولا أمسك فنهلك { وَإِنَّ لَكَ } [ طه : 97 ] يا سامري { مَوْعِداً } [ طه : 97 ] للهلاك والعذاب لمن تخلف في الدنيا والآخرة { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } [ طه : 97 ] وفيه إشارة إلى عبادة عجل النفس والهوى ، فإنهم { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] منسوفون في بحر القهر نسفا لا خلاص لهم منه إلى الأبد . وفي قوله تعالى : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ } [ طه : 98 ] معبوداً ولا خالقاً { إِلاَّ هُوَ } [ طه : 98 ] إشارة إلى من يعبد إلها دونه يحرقه بالنار نار القطيعة ، وينسفه في بحر القهر إلى أبد الآباد { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [ طه : 98 ] فعلم استحقاق كل عبد للطف أو للقهر { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } [ طه : 99 ] إذ أنزل القرآن على قلبك .