Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-39)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي قوله تعالى : { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } [ الأنبياء : 36 ] إشارة إلى أن من كان محجوباً من الله تعالى بالكفر لا ينظر إلى خواص الخلق إلا بعين الإنكار والاستهزاء ؛ لأن خواص الخلق من الأنبياء والأولياء يقبحون في أعينهم إذ ما اتخذوا لهم آلهة من شهوات الدنيا من جاهها ومالها وغير ذلك كما قال الله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] وكل محب يغار على محبوبه ويقولون : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [ الأنبياء : 36 ] أي : يذكرهم بعيب ونقصان . ثم قوله تعالى عقب هذا : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء : 37 ] يشير إلى معان : * منها : أي : أنتم تستعجلون من جهلكم وضلالتكم ؛ وذلك لأنهم يؤذون حبيبي ونبيي بطريق الاستهزاء والعداوة ، " ومن عاد لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة " فقد استعجل العذاب ؛ لأني أغضب لأوليائي كما يغضب الليث لجروه ، فكيف بمن يعادي حبيبي ونبيي ! ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في سياق الآية : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي } [ الأنبياء : 37 ] أي : عذابي { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] في طلبه بطريق إيذاء نبيي والاستهزاء بها . * ومنها : أن الروح الإنساني خلق من عجل ؛ لأنه أول شيء تعلقت به القدرة . * ومنها : أن الله تعالى { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ الفرقان : 59 ] وخمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً ، وقد روي أن كل يوم من أيام التخمير { كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ السجدة : 5 ] فيكون أربعين ألف سنة ؛ فالمعنى : أن الإنسان مع هذا خلق من عجل بالنسبة إلى خلق السماوات والأرض في ستة أيام لما خلق فيه بتخمير طينته أنموذجات ما في السماوات والأرض وما بينهما ، واستعداد سر الخلافة المختصة ، وقابليته تجلي ذاته وصفاته ، والمرتبة التي تكون مظهرة للكنز المخفي الذي خلق الخلق لإظهاره ومعرفته ، ولاستعداد حمل الأمانة التي عرضنا على السماوات والأرض والجبال وأهاليها { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } [ الأحزاب : 72 ] . وتمام الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله تعالى : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] أي : سأريكم صفات كمالي في مظاهر الأفاق ومرآة أنفسكم بالتربية في كل قرن بواسطة نبي أو ولي ، فلا تستعجلون في هذا المقام من أنفسكم ، فإنه قبل من المهد إلى اللحد ، أقول : من الأزل إلى الأبد ، وهذا منطق الطير لا يعلمه إلا سليمان الوقت ، قال الله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } [ الملك : 25 ] أي : وعد إرادة الآيات { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] في النبوة والرسالة . { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنبياء : 39 ] أي : ستروا الحق بالباطل { حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الأنبياء : 39 ] في وقع العذاب ؛ أي : لو علم أهل الإنكار والجحود قبل أن يكافئهم الله على إنكارهم نار القطيعة والحسرة والبعد والطرد لمَّا أقاموا على كفرهم وإنكارهم ، ولتابوا ورجعوا إلى طلب الحق .