Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 45-50)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } [ الأنبياء : 45 ] يشير إلى أنه ليس للأنبياء والأولياء إلا الإنذار والنصح وليس لهم إسماع الصم ، وهم الذين لعنهم الله في الأزل بالطرد عن جوار الحضرة إلى أسفل الدنيا ، وأصمهم وأعمى أبصارهم بحبها ، وطلب شهواتها ، فلا يسمعون ما ينذرون به ، وإنما الاستماع لله تعالى لا للخلق كما قال الله تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [ الأنفال : 23 ] . وفي قوله تعالى : { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 46 ] إشارة إلى أن أهل الغفلة والشقاق لا ينتبهون بتنبيه الأنبياء ، ونصح الأولياء في الدنيا حتى يمسهم أمر من آثار عذاب الله بعد الموت ، فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] ونادوا بالويل والثبور على أنفسهم بما كانوا ظالمين . وفي قوله تعالى : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ الأنبياء : 47 ] إشارة إلى أن الموازين على قسمين : موازين الفضل ، وموازين العدل : * فأمَّا موازين الفضل : فقد وضعت في المبدأ الأول حين قسمت الأشياء كما قال : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الزخرف : 32 ] قورن بها أولاً أعظم وزن لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ثم وزن بها للرسل ورجع لبعضهم كما قال الله تعالى : { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ البقرة : 253 ] ثم وزن بها للأولياء المحبوبين كما قال الله تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ المائدة : 54 ] ثم وزن بها للمؤمنين فقال الله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [ النور : 21 ] ثم وزن بها لبني آدم عموماً بقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 70 ] . * وأمَّا موازين العدل : فقد وضعت للمداد وهو يوم القيامة { تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 17 ] وذلك ؛ لأن العالم بما فيه خلق كشجرة لثمرتها ولها بذر ، فقسم بذرها في المبدأ بميزان الفضل رعاية لمصلحة الشجرة ولو وزن بميزان العدل ما تم أمر الشجرة للتسوية في القسمة ؛ لأنه لو لم يكن الفضل مخصوصاً ببعضها دون بعض ما كان للشجرة ثمرة ولا للثمرة شجرة ، فإذا تم أمر الشجرة وأثمرت فاقتضت الحكمة بأن وزن لها في الآخرة بميزان العدل ؛ لإيصال الماء بالسوية إلى أجزاء الشجرة رعاية لصلاح الشجرة والثمرة { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } [ الأنبياء : 47 ] إلى موضع صالح { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] في رعاية صالح الشجرة والثمرة من المبدأ إلى المعاد . ثم أخبر عن إيتاء الفرقان لموسى بن عمران بقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ } [ الأنبياء : 48 ] يشير إلى أن النور الذي هو يفرق بين الحق والباطل ، بل بين الخلق والخالق والحدوث والقدم نور يقذفه الله تعالى في قلوب عباده المخلصين من الأنبياء والمرسلين والأولياء الكاملين ، ولا يحصل بتكرار العلوم الشرعية ، ولا بالأفكار العقلية ، وله { وَضِيَآءً } [ الأنبياء : 48 ] يتعظ به { وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } [ الأنبياء : 48 ] { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 49 ] الذين يتقون عن الشرك بالتوحيد ، وعن الطبع بالشرع ، وعن الرياء بالإخلاص ، وعن الخلق بالخالق ، وعن الأنانية بالهُوية . { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } [ الأنبياء : 50 ] لمن يتعظ له ، ويعلم أن اتعاظه به إنما هو من نور { أَنزَلْنَاهُ } [ الأنبياء : 50 ] في قلبه لا من نتائج عقله وتفكيره فيه { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ الأنبياء : 50 ] أي : تنكرون على أنه نور من هدايتنا .