Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 51-59)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ } [ الأنبياء : 51 ] أي : شرفناه بنور الخُلة ومن قبل خلقه ؛ لأن اتخاذ الله إياه خليلاً كان في الأزل ، فإن الكلام الأزلي ناطق { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 51 ] أي : بأهليته للخلة واستحقاقه للرشد والهداية ؛ لأنا خلقناه مستعداً للهداية والكرامة ألا يعلم من خلق . { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [ الأنبياء : 52 ] يعني : لو لم يكن آثار رشدنا لما رأى بنور الرشد ظلمة شركهم وعكوفهم للأصنام لمَّا قال : { إِذْ قَالَ } فيه إشارة إلى : أحوال الذين فاتهم يرون أهل الدنيا بنور الرشد ، عاكفين لأصنام الهوى والشهوات ، يقولون لهم : { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } ولو لم يكن نور الرشد والهداية من الله لكانوا معهم عاكفين لها ، وما رأوها بنظر التماثيل . { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 53 ] فيه إشارة إلى أن التقليد غالب على الخلق كافة في عبادة الهوى والدنيا إلا من أتاه الله رشده ، فيقول لأهل الأهواء والبدع بنور التحقيق والرشد : { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } [ الأنبياء : 54 - 55 ] بهذه يشير إلى عابدي الهوى من غير الإسلام ؛ إذ سمعوا كلام أهل التحقيق في بيان سبيل الرشاد ، وقالوا بالاستهزاء : أجئت بما يرشدنا بالحق وندعو إليه أم تلاعب معنا ، فيه إشارة لطيفة ، وهي : كما أن أهل الصدق والطلب يرون أهل الدنيا لاعبين واتخذوا الدنيا لعباً ولهواً كقوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنعام : 91 ] كذلك أهل الدنيا يرون أهل الدين لاعبين ، وأمر الدين لعباً ولهواً . وبقوله تعالى : { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ الأنبياء : 56 ] يشير إلى أن إيمان الخليل عليه السلام كان إيماناً إيقانياً ، بل عيانياً بقوله : { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ الأنبياء : 56 ] أي : الحاضرين الناظرين في ملكوتهما بيد قدرته كما قال الله تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ يس : 83 ] وكما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] . وبقوله تعالى : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 57 - 58 ] يشير إلى أن الإنسان إذا وكّل إلى نفسه وطبعه ينحت من هوى نفسه أصناماً كما كان أبو إبراهيم آزر ينحت الأصنام ، وإذا أدركته العناية الأزلية أيد بالتأييد الإلهي كسر أصنام الهوى ، ويجعلها جداراً فضلاً عن نحتها كما كان حال إبراهيم عليه السلام كان يكسر من الأصنام ما ينحت أبوه ، وإذا كان المرء على أهل الخذلان يرى الحق باطلاً والباطل حقاً كما كان قوم نمرود { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 59 ] .