Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [ الحج : 1 ] يشير إلى أن من نسي الله تعالى واشتغل بما دونه عنه بقوله تعالى : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [ الحج : 1 ] عمَّا سواه كما يقال : اتقى فلان بنفسه { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] وهي : أن الساعة من عظم شأنها أن يكون فيها كل شيء هالك إلا وجهه بقوله تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [ الحج : 2 ] يشير إلى : مواد الأشياء ، فإن لكل شيء مادة وهي ملكوتة ترضع رضيعها من الملك ، وذهولها عنه بهلاك استعدادها للإرضاع { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } [ الحج : 2 ] ، وهي ما يسمى هيولي ، فإنها حاصل بالصورة ؛ أي : يسقط حمل الصورة الشهادية بهلاك الهيولى . وبقوله تعالى : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] يشير إلى أن ما يكون في القيامة مصوراً بصورة تناسب ذلك العلم إنما يكون متشابهاً بمصورات ما في الدنيا ، وهو من عالم المعنى لا من عالم الصورة يدل عليه قراءة من قرأ : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] بضم التاء من الإراءة ؛ أي : يرونهم سكارى بالصور { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] في الحقيقة نظيره قوله تعالى : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً } [ البقرة : 25 ] . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : لا يشبه شيء في الجنة شيئاً مما في الدنيا إلا بالاسم ، فترى فيها في صورة ما في الدنيا ، ولا تكون حقيقته مثل حقيقته : * فمن الناس : من يكون سكره من الغفلة والعصيان . * ومنهم : من يكون سكره من شراب حب الدنيا وشهواتها . * ومنهم : من يكون سكره من شراب التنعم . * ومنهم : من يكون سكره من شراب الحكم والسلطنة . * ومنهم : من يكون سكره من شراب ذوق الطاعة . * ومنهم : من يكون سكره من شراب لذة العلم . * ومنهم : من يكون سكره الشوق . * ومنهم : من يكون سكره من شراب المحبة . * ومنهم : من يكون سكره من شراب الوصال . * ومنهم : من يكون سكره من شراب المعرفة . * ومنهم : من يكون سكره من شراب المحبية والمحبوبية كما قال بعضهم : لي سكرتان وللندمان واحدة شيء خصصت به من دونهم وحدي ، ولكن عذاب الله شديد : * فمن الناس من يعذب بنار الفراق . * ومنهم : من يعذب بناء الاشتياق . * ومنهم : من يعذب بنار شواهد بعظام مألوفاته الدنياوية من نار جهنم . * ومنهم : من بعذب بنار القطيعة . * ومنهم : من يعذب بنار شواهد { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } [ طه : 10 ] . * ومنهم : من يعذب بنار نور تجلي صفة الجمال . * ومنهم : من يعذب باستيلاء نار تجلي صفة الجلال إذا مسته النار بدلاً عمَّن لم تمسسه نار . * ومنهم : من يعذب بنار الفناء في النار والبقاء بالنار كقوله تعالى : { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } [ النمل : 8 ] وكانت استعاضة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " كلميني يا حميراء " من فوران ثائرة هذه النار وهيجانها ، والله أعلم . ثم أخبر عن معاملة أرباب المجادلة بقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ لقمان : 20 ] يشير إلى أن من يجادل في الله ما له علم بالله ولا معرفة به ، وإلا لم يجادل فيه ويستسلم له ، وإنما يجادل في الله ؛ لأنه { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } [ الحج : 3 ] من شياطين الجن والإنس . وبقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الحج : 4 ] يشير إلى أنه قد قضى الله سبحانه على كل شيطان من الجن والإنس أن من يتبعه ويتولاه فإنه يضله على الصراط المستقيم والدين القويم ؛ فأمَّا الشيطان الجني ، فبالوسواس والتسويلات وإلقاء الشبهة ، وأمَّا الشيطان الإنسي ، فبإيقاعه في مذاهب أهل الأهواء والبدع ، والفلاسفة والزنادقة المنكرين البعث ، والمستدلين بالبراهين المعقولة المشوبة بشوائب الوهم والخيال وظلمة الطبيعة ، فيستدل بشبهتهم ويستدل بعقائدهم حتى يصير من جملتهم ، ويعد في زمرتهم كما قال الله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] ويهديه بها الاستدلالات والشبهات إلى عذاب السعير والقطيعة والحرمان . وبقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } [ الحج : 5 ] يشير إلى ناس قد نسي خلقه وأنكر البعث كما قال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ } [ يس : 78 ] . ثم استدل على البعث بقوله تعالى : { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ } [ الحج : 5 ] منها { مِّن تُرَابٍ } [ الحج : 5 ] أي : كنتم تراباً ميتاً ، فبعثنا بأن خلقنا منه آدم حياً ، ثم بعثنا منه النطفة ، ثم بعثناها بأنَّا خلقنا منها العلقة ، ثم بعثناها بأن خلقناها مضغة ، ثم بعثناها بأن خلقناها مخلقة ؛ أي منفوخة فيها الروح ، وغير مخلقة ؛ أي : صورة لا روح فيها { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } [ الحج : 5 ] أمر البعث والنشور . { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [ الحج : 5 ] فيه إشارة إلى أن أطفال المكونات كانوا في أرحام أمهات العدم مقرين بتقرير الحق إياهم فيه ، ولكل خارج منها أجل مسمى بالإرادة القديمة والحكمة الأزلية ، فلا يخرج طفل مكون من رحم العدم إلا بمشيئة الله أوان أجله ، وهذا رد على الفلاسفة فإنهم يقولون بقدم العالم ويستدلون في ذلك هل كان لله في الأزل أسباب الإلهية في إيجاد العالم بالكمال أم لا ؟ وإن قلنا : لم تكن ، فقد أثبتنا له نقاصاً ، فالناقص لا يصلح للإلهية ، وإن قلنا : قد كان له أسباب الإلهية بالكمال فلا مانع فقد لزم إيجاد العالم في الأزل بلا تقدم زماني للصانع على المصنوع ، بل بتقدم رتبتي فنقول في جوابهم : إن الآية تدل على أن الله تعالى كان في الأزل بلا تقدم ولم يكن معه شيء ، وكان قادراً على إيجاد ما يشاء كيف يشاء ، ولكن الإرادة الأزلية اقتضت بالحكمة الأزلية أجلاً مسمى بإخراج طفل العالم من رحم العدم أوان أجله ، وإن لم يكن قبل وجود العالم أوان ، وإنما كان مقدراً لأوان في أيام الله تعالى التي لم يكن لها صباح ولا مساء كما قال الله تعالى : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] . وبقوله تعالى : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } [ الحج : 5 ] يشير إلى أن كل طفل من أطفال المكونات يخرج من رحم العدم مستعداً للتربية وله كمال يبلغه بالتدريج { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } [ الحج : 5 ] أي : من المكونات ما ينعدم قبل بلوغ كماله { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ الحج : 5 ] أي : ومنها ما يبلغ حد كمالهم يتجاوز عن حد الكمال فيؤول إلى ضد الكمال لئلا يبقى فيه من أوصاف الكمال شيء ، وذلك معنى قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } [ الحج : 5 ] . { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } [ الحج : 5 ] ثم شرح حال تربية طفل من المكونات إلى أن يبلغ حد كماله فبقوله تعالى : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } [ الحج : 5 ] أي : طفل الأرض قطفة ميتة ، فإذا أنزلنا عليها الماء ماء القدرة والحياة { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [ الحج : 5 ] بالتربية { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ الحج : 5 ] وهو حد كماله .