Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 42-46)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته بقوله تعالى : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ } [ الحج : 42 ] يشير إلى : أمر حتَّم الصبر من النبي صلى الله عليه وسلم على مقاساة ما يلقاه من قومه من فنون البلاء وصنوف الأسواء . وبقوله تعالى : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [ الحج : 45 ] يشير إلى : خراب قلوب أهل الظلم ، فإن الظلم يوجب خراب أوطان الظالم ، فيخرب أولاً أوطان راحة الظالم وهو قلبه ، فالوحشة هي غالبة على الظلمة من ضيق صدورهم ، وسوء أخلاقهم ، وفرط غيظهم على من يظلمون عليهم ، كل ذلك من خراب أوطان راحاتهم وهي في الحقيقة من جملة العقوبات التي تلحقهم على ظلمهم ، ويقال : خراب منازل الظلمة ربما يستأخر وربما يتعجل ، وخراب نفوسهم في تعطلها عن العبادات بشؤم ظلمها كما قال تعالى : { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } [ الحج : 45 ] وخراب قلوبهم باستيلاء الغفلة عليهم خصوصاً في أوقات صلواتهم وأوان خلواتهم فهو غير مستأخر . وبقوله تعالى : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } [ الحج : 45 ] يشير إلى : العيون المتفجرة التي كانت في بواطنهم وكانوا يستقون لإحياء أوقاتهم من غلبات الإرادة وتوجيه المواجيد ، فإذا انفقوا بظلمهم غلب غشاؤها بقطع وانقطع ماؤها ؛ لانسداد عيونها ، ويشير بقوله تعالى : { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] إلى : تعطيل أسرارهم عن مساكنها من الهيبة والإنس ، وخلوا أرواحهم عن نوازل المحابة وسلطان الاشتياق وصنوف المواجيد . وبقوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الحج : 46 ] يشير إلى : السير في أرض البشرية ، والعبور عنها ، والوصول إلى مقامات القلب { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } [ الحج : 46 ] فيه إشارة إلى أن العقل الحقيقي إنما يكون من نتائج القلب بعد تصفية حواسه عن العمى والصمم ، كما قال الله تعالى : { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] فإن صح وصف القلوب بالسمع والبصر صح وصفه بسائر صفات الحق من وجوه الإدراكات ، فكما تبصر القلوب بنور اليقين تدرك نسيم الإقبال بمشام السر ، وفي الخبر : " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " ، وقال الله تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام أنه قال : { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [ يوسف : 94 ] وما كان ذلك إلا لإدراك السرائر دون اشتمام الريح في الظاهر .