Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 77-78)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن نجاح أهل الفلاح بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } [ الحج : 77 ] يشير إلى : الرجوع من تكبير قيام الإنسانية إلى تواضع خضوع الحيوانية ، فإنها على أربع في الركوع ، والرجوع من الركوع إلى الانكسار ، والذلة النباتية في السجود ، فإن النبات ذليل في السجود ؛ لقوله تعالى : { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] لأن الروح كان مجيئه بهذه المنازل من عالم الأرواح عبر على كلّ المنزل النباتي ، ثم على المنزل الحيواني إلى أن بلغ المنزل الإنساني ، فعند رجوعه إلى الحضرة يكون عبوره على كل هذه المنازل ، وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم " الصلاة معراج المؤمن " . ثم قال الله تعالى : { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } يعني : بهذا الرجوع إليه ؛ يعني : خالصاً لوجهه تعالى . { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } بالتوجه إلى الله تعالى في جميع أحوالكم وأعمال الخير كلها . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الحج : 77 ] بالعبور على هذه المنازل من حجب الظلمات النفسانية والأنوار الروحانية { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [ الحج : 78 ] بأن تجاهدوا النفوس في تزكيتها بأداء الحقوق وترك الحظوظ ، وتجاهدوا القلوب في تصفيتها بقطع تعلقات الكونين ، ولزوم المراقبات عن الملاحظات ، وتجاهدوا بالأرواح في تحليتها بإفناء الوجود في وجوده ؛ لتبقى بوجود وجوده . { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } [ الحج : 78 ] لهذه الكرامات من بين سائر البريات ، ولولا أنه اجتباكم واستعداد هذا الجهاد أعطاكم وأيد هداكم لمَّا جاهدكم في الله ، كما قيل : فلولاكم ما عرفنا الهوى ، ولولا الهوى ما عرفناكم ، ومن مبادئ حق الجهاد : ألاَّ يفتر عن المجاهدة لحظة ، كما قال قائلهم : يا رب إن جهادي غير منقطع ، وكل أرضك لي ثغر وطرسوس { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] أي : ضيِّق في السير إلى الله تعالى والوصول إليه ؛ لأنك تسير إلى الله تعالى بتيسيره لا بسيرك ، وتصل إليه بتقربه إليك لا بتقربك إليه ، وإن كنت ترى أن تقربك إليه منك ، ولا ترى بأن تقربك إليه من نتائج تقربه إليك لا بتقربك إليه ، كما قال الله تعالى : " من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً " ، فالذراع إشارة إلى الشبرين ، شبر سابق على تقربك إليه وشبر لاحق بتقربك إليه حتى لو مشيت إليه ، فإنه يسارعك من قبل مهرولاً . وبقوله تعالى : { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [ الحج : 78 ] يشير إلى أن السير والذهاب إلى الله تعالى من سنة إبراهيم عليه السلام بقوله : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الصافات : 99 ] ، وإنما سمَّاه بأبيكم ، لأنه كأب آباءكم في طريقة السير إلى الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أنا لكم كالوالد لولده " { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الحج : 78 ] أي : الله في الأزل لاستسلامكم لقبول هذه الطريقة بأن جعلكم مستعدين { مِن قَبْلُ } [ الحج : 78 ] إن خلقكم { وَفِي هَـٰذَا } [ الحج : 78 ] أي : وبعد أن خلقكم { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } [ الحج : 78 ] فيما تعملون ؛ لأنه كان أول المخلوقات بالروح مشرفاً عليها . { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الحج : 78 ] فيما يعملون وهم الأمم الماضية ، وفي هذا إشارة إلى أن روح محمد صلى الله عليه وسلم كما كان مخلوقاً قبل أرواح الأنبياء ، ومشرفاً على أحوالهم كانت أمته مخلوقة قبل أرواح جميع الأمم مشرفين على أحوالهم ، ولا إشراف لروح نبي على روح نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا لأرواح روح الأمم إشراف لأرواح هذه الأمة { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ الحج : 78 ] بدوام السير والعروج إلى الله تعالى والتعظيم لأمره { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } [ الحج : 78 ] بدعوة الخلق إلى الله تعالى ، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم إلى الله تعالى بالشفقة على خلقه ، وهذا حقيقة الاعتصام بحبل الله للوصول إليه . { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } [ الحج : 78 ] إذا وصلتم إليه بإفناء الوجود فيه { هُوَ مَوْلاَكُمْ } [ الحج : 78 ] أي : متولي إفنائكم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } [ الحج : 78 ] في إفناء وجودكم { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } [ الحج : 78 ] بإبقائكم به .