Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-12)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون : 1 - 2 ] يشير إلى أن الفلاح الحقيقي لا يحصل بمطلق الإيمان بل بالإيمان الحقيقي المقيد بجميع الشرائط التي هي مذكورة في الآية ، ومعنى الفلاح الظفر والفوز والبقاء أي : ظفروا بنفوسهم ببذلها في الله ، وفازوا بالوصول إلى الله وبقوا به بعد أن فنوا فيه ، ثم وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون : 2 ] بالظاهر والباطن : أما الظاهر : فخشوع الرأس بانتكاسه ، وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات ، وخشوع الأذن بالتذلل للاستماع ، وخشوع اللسان للقراءة بالحضور ، وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال بالتعظيم كالعبيد ، وخشوع الظهر انحناؤه في الركوع مستوياً ، وخشوع الفرج بنفي الخواطر الشهوانية ، وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة . وأما الباطن : فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس ، وخشوع القلب بملازمة الذكر ودوام الحضور ، وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحظات إلى المكونات ، وخشوع الروح استغراقه في بحر المحبة وذوبانه عند تجلي صفة الجلال والجمال . { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } [ المؤمنون : 3 ] واللغو كل فعل لا لله تعالى وكل قول لا من الله تعالى ورؤية غير الله ، وكل ما يشغلك عن الله تعالى . وبقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } [ المؤمنون : 4 ] يشير إلى أن الزكاة إنما وجبت لتزكية النفس عن الصفات الذميمة النجسة من حب الدنيا وغيره ، كقوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } [ التوبة : 103 ] ، فإن الفلاح في تزكية النفس لقوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] ، وقوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 9 - 10 ] ، ولم يكن المراد من الزكاة مجرد إعطاء المال وحبه في القلب باقٍ ، وإنما كان لمصلحة إزالة حب الدنيا عن القلب ؛ لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، فلا تحصل هذه المصلحة إلا بفعل الزكاة ، وهو أن يفعل الزكاة وهو أن يفعل كل ما يزكي نفسه وقلبه عن حب الدنيا وجميع الصفات الذميمة إلى أن يتم إزالتها . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 5 - 6 ] يعني يحفظون عن الدنيا التلذذ بالشهوات أي : ألا يكون أزواجهم وإماؤهم عدواً لهم بأن يشغلهم عن الله وطلبه ، فحينئذ يلزمهم الحذر لقوله تعالى : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [ التغابن : 14 ] ، وإنما ذكر بلفظ على لاستيلائهم على أزواجهم لاستيلائهن عليهم وكانوا مالكين عليهن لا مملوكين لهن ، { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المؤمنون : 6 ] إذا كانت المناكحة لابتغاء النسل ورعاية السنة في أدائها . { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } [ المؤمنون : 7 ] لاستيفاء الحظوظ ، وإهمال الحقوق { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } [ المؤمنون : 7 ] لأنهم تجاوزوا حد الكرام الكارمين ، وتعدوا على الأكابر الصادقين ، وخالفوا طريق الواصلين . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ } [ المؤمنون : 8 ] أي : الأمانة التي حملها الإنسان وهي الفيض الإلهي بلا واسطة في القبول ، وذلك الذي يختص الإنسان بكرامة حمله وعهدهم وهو الذي عاهدهم الله يوم الميثاق على ألا يعبدوا إلا إياه لقوله تعالى : { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ يس : 61 ] راعون ألا يخونوا في الأمانة الظاهرة والباطنة ، وألا يعبدوا غير الله ، فإن أبغض ما عبد غير الله الهوى ؛ لأن بالهوى عبد ما عبد من دون الله . { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 9 ] ؛ لئلا يقع خلل في صورتها ومعناها ولا يضيع عنهم الحضور في الصف الأول صورة ومعنى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } [ المؤمنون : 10 - 11 ] وهو أعلى مراتب القرب قد بقي ميراثاً عن الأموات قلوبهم ، فورثه الذين كانوا أحياء القلوب { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } إلى الأبد . ثم أخبر عن الإحسان في خلق الإنسان بقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } [ المؤمنون : 12 ] يُشير إلى أن سلالة سلة من جميع الأرض طينها وسبخها وسهلها وجبلها باختلاف ألوانها وطبائعها المتفاوتة ، ولهذا اختلف ألوانها وأخلاقهم لأنه موضوع في طبيعتهم ما هو من خواص الطين الذي يختص بخاصية منها نوع من الحيوان أي : من جنس البهائم والسباع والجوارح والحشرات والمؤذيات الغالبة على كل واحد منها صفة من الصفات الذميمة والحميدة . أما الذميمة : فكالحرص في الفأرة والنملة ، وكالشهوة في الحمار والعصفور ، وكالغضب في الفهد والأسد ، وكالكبر في النمر ، وكالبخل في الكلب ، وكالشره في الخنزير ، والحقد في الحية وغير ذلك من الصفات الذميمة . وأما المحمودة : كالشجاعة في الأسد ، والسخاوة في الديك ، والقناعة في البوم ، وكالحلم في الجمل ، وكالتواضع في الهرة ، وكالوفاء في الكلب ، وكالبكور في الغراب ، وكالهمة في البازي والسلحفاة وغيرها من الصفات الحميدة ، ثم أودعها في طينة الإنسان وهو آدم عليه السلام .