Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-6)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ طسۤ } [ النمل : 1 ] يشير بطائه إلى طيب قلوب محبيه وبالسين إلى سرٍّ بينه وبين قلوب محبيه لا يسعهم فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأيضاً يقسم بطاء طلب قلوب طالبيه وسين سلامة قلوبهم عن طلب ما سواه { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ } [ النمل : 1 ] أي : بدلالات القرآن وشواهد أنواره { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } وكتاب فيه بيان كيفية السلوك وطريق الوصول بجذبة طالبيه كما قال : " إلا من طلبني وجدني " من طلبني بدلالات القرآن وجدني بالعيان ، فإن القرآن { هُدًى } [ النمل : 2 ] أي : هادياً إلى الله { وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } بالوصول إلى الله بهدايته { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } [ النمل : 3 ] يديمون بالمواصلات ويستقيمون في المعارج بحقائق الصلاة لنيل القربات { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [ النمل : 3 ] ويؤدون عن أموالهم وأحوالهم وسكناتهم وحركاتهم الزكاة بما يقومون في حقوق المسلمين أحسن مقام ، وينوبون عن ضعفائهم أحسن مناب . { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } [ النمل : 4 ] يشير به إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة لا يؤمنون لأنا { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } الدنيوية وحركاتهم النفسانية الحيوانية في أعين نفوسهم فعميت عيون قلوبهم عن رؤية الآخرة ونعيمها ؛ لأن عمى القلوب مودعة في بصارة النفوس وعمى النفوس مودعة في بصيرة القلوب ، فصمت أذان قلوبهم حين عميت عيون قلوبهم فلم يسمعوا دعوة الأنبياء بسمع القبول ، فلم يؤمنوا وذلك لأن لصورة الإنسان آلة للبصر دون آلة السمع فيحتمل أن تختل آلة البصير فلا يرى بها شيئاً ، وتكون آلة السمع بحالها فيسمع بها ولكن معنى الإنسان ملكوتي لا يحتاج إلى آلة البصر والسمع ؛ لأنه بالصفة التي يبصر أيضاً يسمع وبها يتكلم وبها يعقل وبها يفقه ، وإن أثبت الله له آلات السمع والبصر والفقه والعقل كما أثبت للصورة ، ولكن أثبت لفهم الكلام . ثم بالإشارة بين أنها واحدة بقوله تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } [ الأعراف : 179 ] ثم أشار بقوله تعالى : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 171 ] ليعلم أنه لا يكون في عالم المعنى أعمى وإلا يكون أصم وأبكم تفهم إن شاء الله تعالى ، وبهذا المعنى أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله : " حبك الشيء يعمي ويصم فبحب الدنيا عميت عين القلب وصمت أذنه " . كما قال تعالى : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ثم اعلم أن من لم يعالج عمى قلبه بأدوية الشريعة وصفة الطريقة ؛ ليرى علم الحقيقة هاهنا لا يقبل على العلاج والتداوي في الآخرة . كما قال تعالى : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [ الإسراء : 72 ] يعني عن رؤية عالم الحقيقة والوصول إليه ، فهم يعمهون في الدنيا يتحيرون في عالم الحواس لا يهتدون إلى عالم الملكوت وفي الآخرة يترددون في نار جهنم { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ السجدة : 20 ] وذلك معنى قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } [ النمل : 5 ] يعني : عمى القلوب وصممه وبكمه { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } [ النمل : 5 ] لأنهم خسروا الدنيا والآخرة ولم يربحوا المولى وذلك لأن قوماً من المختصين بتوفيق يحبهم ويحبونه قد خسروا الدنيا والآخرة بتركها وعدم الالتفات إليها في طلب المولى ؛ فربحوا المولى فلهذا لما وجد أبو يزيد في البادية قحف رأس مكتوب عليه خسر الدنيا والآخرة بكى وقبل عليه ، وقال : هذا رأس صوفي . فلما أخبر الله تعالى عن مقامات المؤمنين والكافرين وشرح أحوالهم أخبر عن مقام النبي صلى الله عليه وسلم وحاله بقوله : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [ النمل : 6 ] يعني : لا من لدن جبريل به يشير إلى أنك جاوزت حد كمال كل رسول فإنهم كانوا يتلقون الكتب بأيديهم من يد جبريل والرسالات من لفظه وحياً ، وإنك وإن كنت تلقي القرآن بتنزيل جبريل على قلبك تلقى حقائق القرآن من لدن حكيم لقلبك بحكمه بها القرآن وهي صفة القائمة بذاته ، فعلمك حقائق القرآن وبيانه وهو العلم اللدني عليم حكيم جعله بحكمته مستعداً لقبول الفيض القرآن بلا واسطة عليم هو أعلم حيث يجعل رسالته .