Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 35-39)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } [ القصص : 35 ] به يشير إلى أن القلب وإن كان مترقياً إلى الحضرة الربانية يحتاج إلى العقل المشدد عضده به ليكون كامل الاستعداد في قبول الفيض الإلهي ، ويكونا مؤيدين بالتأييد الإلهي ، ولهما سلطان على غيرهما ، ولا يصل إليهما سلطان الأغيار وتكون الغلبة لهما ولمتابعيهما وذلك قوله { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [ القصص : 35 ] . ثم أخبر عن إنكار الأسرار على الأخيار بقوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ } [ القصص : 36 ] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } [ القصص : 36 ] يشير إلى أن موسى القلب وإن بلغ مقامات القرب الرباني وصار كالمرآة المصقولة المتجاذبة للشمس قابلة لانعكاس أنوار الشمس ، فتظهر آياتها البينات فإن فرعون النفس وملأ صفاته يرونها سحراً مفتر كما { قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } [ القصص : 36 ] لأن النفس خلقت من أسفل عالم الملكوت متنكسة ، والقلب خلق من وسط عالم الملكوت متوجهاً إلى الحضرة فما كذب الفؤاد ما رأى ، وما صدقت النفس ما رأت ، فيرى القلب إذا كان سليماً أن من الأمراض والعلل الحق حقاً والباطل باطلاً والنفس يرى الحق باطلاً والباطل حقاً ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه " . وكان صلى الله عليه وسلم في ذلك سلامة القلب عن الأمراض والعلل وهلاك النفس وقمع هواها وكسر سلطانها وبقوله { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } [ القصص : 36 ] الذي تدعونا إليه يعني من التوحيد { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [ القصص : 36 ] يشير إلى طبائع الكواكب السبعة فإنها آباء النفس وأساسها العناصر الأربعة ، والطبائع منكوسة إلى عالم السفل متوجهة إلى التفرقة متباعدة عن التوحيد فلا تسمع متولداتها عن التوحيد بل تسمعها عن شرك الشركاء بحسب نظرها في رؤية الوسائط وتقيدها بها . { وَقَالَ مُوسَىٰ } [ القصص : 37 ] القلب بعد إنكار فرعون النفس وتكذيبها إياه { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } [ القصص : 37 ] أنه صادق فيما جاء به متوكلاً على الله فيما يجري على فرعون النفس من الإنكار حكمة منه تلسيماً لأحكامه طالباً لرضا لحق تعالى لا هارباً من سخط الخلق قال قائلهم : @ فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضَى وَالأَنامُ غِضابُ وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَيْنَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ @@ وبقوله : { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } يُشير إلى أن الواجب على كل نفس السعي في نجاتها ولو هلك غيرها لا يضرها فإنها متحققة في { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } وقد قال تعالى : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 26 ] ، وبقوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] ، يشير إلى أن استعداد فطرة الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم إذا فسد تصير معرفته نكرة وإقراره بالعبودية يستدل به بالألوهية ، ويسعى بعد إثبات الإله في نفسه حتى يقول لوزيره وهو هامان الشيطان ، كما قال تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ } بنفخ الوساوس والغرور { عَلَى ٱلطِّينِ } طينة البشرية { فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } [ القصص : 38 ] من الشبهات المخيلة الموهومة { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } هل له وجود أم لا { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ } [ القصص : 38 ] أي : مع أني أتيقن أنه { مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [ القصص : 38 ] في ادعاء إله غيري . { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ } [ القصص : 39 ] أي : فرعون النفس وصفاتها { فِي ٱلأَرْضِ } أرض الإنسانية { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي : بغير أمر الحق ، { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } [ القصص : 39 ] طائعين أو كارهين كسائر الموجودات ، ولم يعلموا أن الرجوع إلى الحضرة من خصوصية الإنسان طوعاً أو كرهاً ، كما قال تعالى : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق : 8 ] ، وقال : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 28 ] .