Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 71-75)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن الليل والنهار أنهما من نعمته وآثار رحمته بقوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ } والإشارة في تحقيق الآيات بقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ القصص : 71 ] يُشير إلى ليل الفراق عند استعلاء ظلمة البشرية أن جعله عليكم سرمداً ولا نهاراً للوصال له إلى يوم القيامة { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ } [ القصص : 71 ] يخرجكم من ليل الفراق إلى نهار الوصال ، وفيه إشارة أخرى وهي أن تعلم أن ليل الفراق ونهار الوصال بإيتاء الحق ليس لغيره تصرف فيهما هو الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } بسمع الحقيقة لتشكروا الله الذي ينعم عليكم بذهاب ليل الفراق وإيتاء نهار الوصال . { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ } [ القصص : 72 ] نهار الوصال بطلوع شمس التجلي { سَرْمَداً } لا ليل له { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ } [ القصص : 72 ] ستر { تَسْكُنُونَ فِيهِ } عن وعثاء سطوة التجلي وتستريحون فيه من نصب تحمل أعبائه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مع كمال قوته عند حمل أعباء الوحي لما غلب كان يقول لعائشة رضي الله عنها : " كلميني يا حميراء " وذلك لتخرجه من سطوات الشمس التجلي إلى سر ظل البشرية ليستريح من التعب والنصب وليس هذا الستر من قبيل الحجاب ، فإن الستر يكون عقيب التجلي وهو محاب الرحمة والمحبة لا حجاب الرحمة والمحبة ، وذلك من جملة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم محمياً به إذ كان يقول : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة " به يخبر عن الستر والتجلي وذلك من غاية اللطف والرحمة والحجاب ما يكون العبد محجوباً عن الحق تعالى وذلك من غاية القهر والعزة . كما قال تعالى في المقهورين : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] وبقوله تعالى : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } يشير إلى أنكم لا تنظرون ببصر البصيرة أن الجبل لم يستقر مكانه عند سطوة صفة الربوبية وجعله دكاً وخر موسى مع قوة نبوته صعقاً ، وذلك التجلي في أقل مقدار طرفة عين ، فلم دام كيف يعيش الإنسان الضعيف ، وهذا كما أن فلك الشمس تدور في بعض المواضع وجوباً لا غروب للشمس فيه فنهاره من شدته فلا يعيش الحيوان فيه ، ولا ينبت النبات فيه من قوة حرارة الشمس فيه ، وكذلك يدور فلك الشمس في بعض المواقع بعكس هذا تحت الأرض ليس للشمس طلوع فليله سرمدي لا يعيش الحيوان أيضاً فيه ولا ينبت النبات ، فلهذا المعنى قال تعالى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [ القصص : 73 ] أي : ليل الستر ونهار التجلي { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } في ليل الستر لتستريحوا وتسكنوا بسكون حاشتكم { وَلِتَبتَغُواْ } في نهار التجلي { مِن فَضْلِهِ } أي : فضل وصاله وفيه معنى آخر أن تسكنوا إلى الوصال في نهار التجلي نظيره قوله : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الأعراف : 189 ] ولتبتغوا من فضله فضل وصاله في ليل الستر متطلعين لطلوع شمس التجلي في نهار الوصال { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } هذه النعمة فإن الشكر موجب الزيادة في النعمة كما قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] وحقيقة الزيادة وهي الرؤية لقوله { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحسنى هي الجنة والزيادة هي الرؤية " فمعنى الآية ولعلكم تشكرون لكي يكون نعيم الدنيا موصلاً بنعيم الآخرة ، وذلك تحقيقه قوله : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } [ البقرة : 201 ] أي : حسنة الوصال { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] نار الفراق وفائدة تكرار قوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 74 ] أنهم لعلهم تذكرون بخطاب ويوم يناديهم نداء كل ليلة يناديهم هل من داع هل من تائب فيجيبونه ويرجعون إليه . وبقوله : { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } [ القصص : 75 ] يشير إلى مقتضى نظر العناية ينزع من كل أمة من أرباب النفوس شهيداً وهو القلب الحاضر في بعض أهل النفوس المتمردة الذين لهم قلوب حاضرة بلا شعور نفوسهم فنظر الله ، وبقوله : { فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } [ القصص : 75 ] يشير إلى أن لتلك القلوب براهين التوحيد بالقوة لا يحصل فيها بالفعل إلا بجذبة خطاب الحق وتأييد أمره وهو قوله : { هَاتُواْ } عند حصول البراهين بالفعل في قلوبهم فعلموا بتلك البراهين القاطعة أن الحق هو حقيقة الإلهية لله تعالى وتعالى له وليس له في ذلك شريك { وَضَلَّ عَنْهُمْ } [ القصص : 75 ] أي زال وبطل عن القلوب { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ القصص : 75 ] النفوس المتمردة من الشبهات في إثبات الشركاء لله تعالى ، ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الأعراف : 43 ] .