Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 20-26)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا الرجوع والعود معنى قوله : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : أرض الوجود الإنساني { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } بالعبور على المنازل المذكورة من العدم كذلك الرجوع بالعبور عليها أن يعود إلى العدم { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } بعد انخلاعه عنه من كسوة الأنانية يلبس خلعة الهوية لاختصاصه بمنزلة الخلافة . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ العنكبوت : 20 ] إن الله قادر على أن يجعل المستقر لهذه الكرامة عند إظهار القهر لشر البرية { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } [ العنكبوت : 21 ] بعذاب البعد والقطيعة والهجران { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } [ العنكبوت : 21 ] بتجرده عن كسوة الوجود ، وتوقده بالوحدانية في الوصول والوصال { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } [ العنكبوت : 22 ] أرض البشرية { وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ العنكبوت : 22 ] سماء الروحانية لاستجلاب مقامات قرب الملكوتية { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } [ العنكبوت : 22 ] تتولونه { وَلاَ نَصِيرٍ } [ العنكبوت : 22 ] يستخلصكم عن بطشه بجذبة العناية إذ لم يعرفوا قدر هذه النعمة الجسمية ، بقوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } [ العنكبوت : 23 ] يشير إلى طائفة من أرباب الطلب وأصحاب السلوك العابرين على بعض المقامات ، المشاهدين آثار شواهد الحق الكاشفين ببعض الأسرار ، ثم أدركتهم القربة بحجاب العزة فابتلاهم الله للغيرة بالالتفات إلى الغير ، فحجبوا بعد أن كوشفوا ، واستتروا بعد أن تجردوا ، واستدرجوا بعد أن رفعوا ، وبعدوا بعد أن قربوا ، وحاروا بعد أن كاروا نعوذ بالله من الحور بعد الكور . ثم أخبر على حالهم ومآلهم فقال : { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } [ العنكبوت : 23 ] عند قسمة الرحمة على المرحومين دون المرجومين { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ العنكبوت : 23 ] وهذا عذاب الطرد والهجران والقطيعة والحرمان . ثم أخبر عن جواب قوم إبراهيم له بغير الصواب بقوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } [ العنكبوت : 24 ] يشير إلى أن من شأن إبراهيم الروح أن يدعو تمرود النفس وقومه أي : صفاتها إلى الله ونهاهم عن عبادة الأوثان من الهوى والدنيا وما سوى الله ، وأن من شأن نمرود النفس الأمارة بالسوء وصفاتها أن يجيبوه من لوم طبعهم وغاية سفههم بقولهم : { ٱقْتُلُوهُ } بسيف الكفر والشرك وترك عبادة الله ولزوم عبادة غير الله ، { أَوْ حَرِّقُوهُ } بنار الشهوات والأخلاق الذميمة ، فإن هاتين الحالتين أسباب هلاكه مودعة فأوقدوا عليه نار الشهوات والأخلاق الذميمة { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } [ العنكبوت : 24 ] وجعلها عليه برداً وسلاماً إذ أخلص جوهر الروحية من حرقة نار الشهوات والأخلاق ، ومتعه بالخصائص المودعة فيها مما لم يكن في جِبلة الروح مركوزاً وكان به محتاجاً في سيره ، ولهذه الاستفادة بعث إلى أسفل سافلين القالب { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } [ العنكبوت : 24 ] أي : في قصة إبراهيم وقومه { لآيَاتٍ } [ العنكبوت : 24 ] لعبرة { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 24 ] بحقائق القرآن وأسراره وأن له ظهراً وبطناً . وبقوله : { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ العنكبوت : 25 ] يشير إلى ما هو من خصائص إبراهيم الروح إذا كان مؤيداً بالتأييد الإلهي وإلهامات الحق ؛ إذ عاين ما هو من مصالحه ومفاسده ولغيره منها في الدنيا والآخرة ، ويرى أحوال الآخرة كأحوال الدنيا عياناً ، وأن تحدثها النفس نصيحة لها ، كما قال { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ } الهوى والدنيا معبوداً بخصوصية الظلومية والجهولية التي أنتم مجبولون عليها { مَّوَدَّةَ } طبيعية { بَيْنِكُمْ } أي : بين النفس وصفاتها وبين شهوات الدنيا في { ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي من بقائكم في الدنيا { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ العنكبوت : 25 ] بعد الخروج عن الدنيا { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } [ العنكبوت : 25 ] أي : يكفر النفس بشهوات الدنيا إذا شاهدت وبال استعمالها وخسران حرمانها عن شهوة الجنة { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] أي : ويلعن النفس على الدنيا أنها كانت سبب شقاوتها ويلعن الدنيا عليها . كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا لعن الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لله " { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } [ العنكبوت : 25 ] يعني : مأوى النفس والدنيا { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] في الخلاص من العذاب وبقوله : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } [ العنكبوت : 26 ] يشير إلى إيمان لوط القلب لأجله أي لعلاج إبراهيم الروح ؛ لأنه لا يتخلص من أذى نمرود النفس وصفاتها إلا بعد إيمان القلب ؛ لأن بنور الإيمان تندفع ظلمات النفس وصفاتها عن الروح فيستعد للمهاجرة إلى الله وذلك قوله : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } [ العنكبوت : 26 ] وهجرته إلى ربه بقطع تعلقاته عما سوى الله { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ العنكبوت : 26 ] أي : إن الله هو أعز من أن يصل إليه أحد إلا بعد مفارقته عن غيره { ٱلْحَكِيمُ } [ العنكبوت : 26 ] الذي لا يقبل بمقتضى حكمته إلا طيباً من لوث أنانيته كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " .