Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 100-104)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم وصى الله المؤمنين وقال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 100 ] ؛ يعني : علماء السوء متابعي الهوى { يَرُدُّوكُم } [ آل عمران : 100 ] ، عن طريق الهداية { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } [ آل عمران : 100 ] ؛ أي : من بعد إيمانكم وطلبتم منهم طريق الحق فأضلوكم بسيرتكم وإتباعكم الهوى عن سبيل الله كما { ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] ثم في صيغة التعجب { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [ آل عمران : 101 ] ، بالله وكنتم أمواتاً ولا تؤمنون { وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 101 ] ، إن من خواص تلاوة آيات الله أن تزيد في إيمانكم كما قال تعالى : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الأنفال : 2 ] ، { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } [ آل عمران : 101 ] ، ومن خاصيته أنه نور يهدي به الله كما قال تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ يعني : الرسول صلى الله عليه وسلم ، { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ يعني : القرآن { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ } [ المائدة : 16 ] ؛ يعني : يهدي الله بالرسول المؤمنين سبيلاً وهو السلام . ثم قال تعالى : { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } [ آل عمران : 101 ] ؛ يعني : ومن كان اعتصامه وتمسكه بالله في كل الأحوال ولا يطلب إلا هو { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ آل عمران : 101 ] ، إلى الله . ثم أخبر عن الاعتصام بالله وهو تقوى الله بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] ، إشارة في الآية { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] ؛ أي : اتقوا عن وجودكم بالله وبوجوده ، فإن وجودكم مجازي ووجوده حقيقي ، وإن الدين الحقيقي الذي عند الله الإسلام ؛ وهو أن يسلم العبد وجوده المجازي في ابتغاء الوجود الحقيقي نفياً للشركة وإثباتاً للوحدة ، وهذا تحقيق قوله تعالى : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] ؛ أي : لا ينتفي وجودكم المجازي إلا بتسليمكم للوجود الحقيقي فافهم جيداً . ثم أخبر عن طريق التسليم الذي هو الدين القويم { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } [ آل عمران : 103 ] ، إشارة في الآية : إن أهل الاعتصام طائفتان : أحدهما : أهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب ؛ لأن مشربهم الأعمال . والثانية : أهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب ، لأن مشربهم الأحوال ، فقال تعالى : { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } [ الحج : 78 ] ؛ أي : متصوركم ومقصودكم ، وفيه معنى آخر ؛ أي : ناصركم ومعينكم على الاعتصام وقال للمتعلقين بالأسباب الذين مشربهم الأعمال : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } [ آل عمران : 103 ] ؛ وهو كل سبب يتوصل به إلى الله ، فالمعتصم بحبل الله : هو المتقرب إلى الله بأعمال البر ووسائط القربة ، والمعتصم بالله : هو الفاني عن نفسه الباقي بربه ، ثم قال تعالى : { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ آل عمران : 103 ] ؛ لأن ترك الاعتصام بأعمال البر ووسائط القرب موجب للتفرق في الظاهر والباطن . فأما في الظاهر : فيلزم منه مفارقة الجماعة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من فارق الجماعة ، فاقتلوه كائناً من كان " . وأما في الباطن : فيظهر منه الأهواء والآراء المختلفة التي توجب تفرق الأمة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة ، الناجي منهم واحد ، قالوا : يا رسول الله ومن الفرقة الناجية ، قال : ما أنا عليه وأصحابي " ، ثم قال تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران : 103 ] ، وبأداء شكرها مع الله وهي نعمة تأليف القلوب { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] ، بنعمة تأليفه بين قلوبكم وبين نعمة الإيمان الذي كتب في قلوبكم فأصبحتم إخواناً في الدين { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 103 ] ؛ وهي عداوة بعضكم لبعض ، وعداوتكم لله ولأنفسكم ، { فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } [ آل عمران : 103 ] بالهداية وتأليف القلوب ، { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } [ آل عمران : 103 ] ، مثل ما بين الأوس والخزرج حتى صاروا إخواناً ، { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ آل عمران : 103 ] أيها الطلاب { آيَاتِهِ } [ آل عمران : 103 ] التي يهدي بها إليه { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ آل عمران : 103 ] بتلك الآيات إليه ؛ وهي الجذبات الإلهية وتجلي الصفات الربانية فيكونون المعتصمين بالله فافهم . ثم أخبر عن مقام أهل الاعتصام بقوله تعالى : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ } [ آل عمران : 104 ] ، إشارة في الآيات : إن الأمة التي تدعوا إلى الخير بالأفعال دون الأقوال هم الذين يستحقون أن يأمروا { بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 104 ] من وعيد من يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، والذي يدل عليه ما روى أسامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعته يقول " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتزلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : ما شأنك ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : فيقول : كنت أمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " ، متفق على صحته .