Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-155)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إنزال النعيم بعد الغم بقوله تعالى : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى ينزل حقائق أصناف ألطافه على عباده في صور مختلفة ، كما أنزل حقيقة الآمنة والصبر والتثبت والشجاعة على الصحابة يوم أحد في صورة النعاس ، { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [ آل عمران : 154 ] ؛ يعني : المؤمنين فجعل النعاس معدن جواهر ألطافه من الأمن وغيره مما ذكر الصحابة ، وجعله معدن جواهر الوقائع السنية لأرباب القلوب من المكاشفات والمشاهدات ، والواردات وأنواع المواهب ، فإن أكثرها تقع في النعاس بين النوم واليقظة ، { وَطَآئِفَةٌ } [ آل عمران : 154 ] ؛ يعني : المنافقين ، { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، هي إشارة إلى أرباب النفوس الذين لا يهتم بهم إلا هم { أَنْفُسُهُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، من استيفاء حظوظها وتتبع شهواتها ، ولذاتها الجسمانية وتمتعاتها الحيوانية بخسة طبعها وركاكة نظرها الحسي ، { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } [ آل عمران : 154 ] ؛ يعني الظن الباطل { ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } [ آل عمران : 154 ] ؛ أي : كظن أهل الجاهلية ؛ وهو ظن الأمور إلى الخلق لا إلى الله بقضائه وقدره ، { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } [ آل عمران : 154 ] ؛ أي : ما لنا مدعي الإسلام من أمر النصرة والظفر من شيء ، فما وعدنا الله ورسوله أن { ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 126 ] وإليه أمره ، { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ } في الدارين { كُلَّهُ للَّهِ } [ آل عمران : 154 ] ، منه وإليه وبه { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } [ آل عمران : 154 ] ، بل تبدون بعضهم لبعض ، وهو قوله تعالى : { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 154 ] ، من أمر النصرة والحقيقة في الدين ، { شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } [ آل عمران : 154 ] ، بالباطل على أيدي حزب الشيطان والمبطلين { قُل لَّوْ كُنتُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، أيها الغافلون عن الأحكام الأزلية وسر القدر ، { فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } [ آل عمران : 154 ] ؛ أي قضى وقدر عليهم القتل بالحكم من الأزلية { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } [ آل عمران : 154 ] ، { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } [ الأنفال : 42 ] ، { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، أيها المنافقون مما تخفون في أنفسكم من النفاق والإنكار والاعتراض على الله ورسوله ، والكفر بآيات الله والأخلاق الردية والأوصاف الدنية ، ويخرجها عنكم قولاً وفعلاً ، أيها المؤمنون مما تضمرون في قلوبكم من الإيمان والإيقان والتصديق بالقرآن ، والتسليم لله ورسوله وتفويض الأمور إلى الله ، والرضا بقضاء الله وقدره ، والأخلاق الحميدة والأوصاف الكريمة ، ويستخرجها منكم خلقاً وعملاً بتخصيص هذا التمحيص . وفيه معنى آخر وهو : أن معنى التمحيص بمعنى التطهير ، { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } [ آل عمران : 154 ] ، من دنس الإنساني وغيره من الصفات الذميمة عند التولي ، فيستغفرون منها فيغفر فيطهركم منها ، كما قال تعالى : { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 155 ] ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ آل عمران : 154 ] ؛ يعني : قبل استخراج ما فيها ، { عَلِيمٌ } [ آل عمران : 154 ] بما فيها ، فيستخرجها بهذا ؛ لإظهار ما فيها على العالمين حجة عليهم ولهم ، والنكتة في ذكر أصحاب النفوس ، وهم المنافقون بابتلاء ما في الصدور وفي ذكر أولى الألباب ، وهم المؤمنون بتمحيص ما في القلوب أن الصدور معدن النفاق والغل ووسوسة الشيطان وتسوله كقوله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الأعراف : 43 ] ، وإن القلوب محل التقوى والإيمان ، قال تعالى : { ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } [ الحجرات : 3 ] ، وكذلك كقاله تعالى : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] ، وقال : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] ، ولذلك أظهر الله تعالى تمحيص ما في قلوب المؤمنين ثلث الصفات من صفاته العلا وأسمائه الحسنى ، وهو العفو الغفور والرحيم بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [ آل عمران : 155 ] من التولي ؛ ليجعله مرآة ظهور صفاته العفو والمغفرة ، وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم : " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم فيذنبون ، فيستغفرون الله فيغفر لهم " ، ليعلم أن الله تعالى قادر على كل شيء من الخير والشر أسراراً لا يبلغ كنهها إلا هو ، { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [ البقرة : 255 ] .