Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-159)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن كفر من فزع الغزاة في الحياة والممات بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } [ آل عمران : 156 ] في الطلب والسير إلى الله ، { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 156 ] ؛ أي : سافروا في البلاد وجحدوا وأنكروا وأرجعوا عن طريق الحق باستهواء الشيطان وغلبة الهوى ، وكفروا إشارة في الآيات : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ } [ آل عمران : 156 ] ، خطاب { آمَنُواْ } [ آل عمران : 156 ] مع السائرين إلى اللهو لا تكونوا كالذين يستفيدون من المراد وسلكوا في أرض نفوسهم سبيل الرشاد { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } [ آل عمران : 156 ] ، مجاهدين مع كفاء النفس والهوى والشيطان ، { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } [ آل عمران : 156 ] ؛ أي : موافقين معنا في الرفق { مَا مَاتُواْ } [ آل عمران : 156 ] من مقاساة الشدائد ، { وَمَا قُتِلُواْ } [ آل عمران : 156 ] رياضة وجهداً ، { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } [ آل عمران : 156 ] القول { حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 156 ] ؛ أي : قلوب الصديقين ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ آل عمران : 156 ] ، أيها المنكرون في تغيير الصديقين ، وأيها الصديقون في الثبات على قدم الصدق في طلب الحق { بَصِيرٌ } [ آل عمران : 156 ] ، فيما يجازي الفريقين على قدر الاستحقاق . { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 157 ] ، سبيل الرشاد ، بسيف الصدق { أَوْ مُتُّمْ } [ آل عمران : 157 ] ، عن صفات النفس { لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ } يحبكم الله بتا ، { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ آل عمران : 157 ] ، أرباب النفوس وأهل الأهواء من أوزان جمع الدنيا والحرص عليها والبخل بها ، ومن وبال التنعم والتلذذ بشهواتها ، { وَلَئِنْ مُّتُّمْ } [ آل عمران : 158 ] أيها المجاهدون في جهاد النفس ، { أَوْ قُتِلْتُمْ } [ آل عمران : 158 ] أيها الصديقون في سبيل الطلب ، { لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] ؛ يعني : حشر المقتول بسيف الصدق والذي ماتت نفسه عن صفاتها ، يكون إلى الله لا إلى غيره من الجنة والنار ، وإن كان عبورها عليها ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 54 - 55 ] . ثم أخبر عن لين القلوب أنه برحمته علام الغيوب بقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] ، إشارة في الآية : إن كل لين يظهر في قلوب المؤمنين بعضهم على بعض ، فهو برحمته الله ونتيجة لطفه مع عباده إلا من خصوصية أنفسهم ، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] ، وإن كانت نفس الأنبياء - عليهم السلام - حتى قال الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] ؛ يعني : لين قلبك للمؤمنين كان من رحمة الله التي أرسلنا على قلبك إليهم لا من رحمتك ، فالله تعالى يمن على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ويقول له : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } [ آل عمران : 159 ] ؛ يعني : ولو كنت باقياً على فظاظة خلقك ، وقساوة قلبك قبل أن تشرح صدرك وتغسل قلبك وتنظر إليه بنظر المحبة ، ونرسل إليه الرحمة لتلين جمالهم { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [ آل عمران : 159 ] ، وتفرقوا عن صحبتك من خشونة قلبك وغلظة فعلك ، وقلة صبرك وتحملك على أذاهم ، وكما أنك لنت لهم برحمتنا { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 159 ] بعفونا ، { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] بمغفرتنا ، { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] ، فإن القلوب للعفو عنها المغفور منورة بصفات عفونا ومغفرتنا ، فهو مؤمنة في الإشارة منها فإنها تنظر بنور ربها ، وكل قلب ينظر بنور الحق لا يرى إلا الحق فيكون صادقاً فيما يرى ، كما قال تعالى : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [ النجم : 11 ] ، فمعناه ؛ أي : فشاور أرباب القلوب المنورة الملهمة من الله ؛ ليكون رأى قلبك النور بنور الوحي مؤكد بالآراء التي منشأها القلوب المنور بنور الإلهام ، فإنه تلو الوحي ، نظيره قوله تعالى : { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ يونس : 94 ] . ثم قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ } [ آل عمران : 159 ] ؛ يعني : بعد المشاورة لاستصواب الآراء المنورة بنور الوحي والإلهام ، { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 159 ] ، لا على تلك الآراء فيما يظهر من الأمور مما تكرهه وتحبه ، فإنه أعلم بالصواب منه لك منك ، كقوله تعالى : { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] ، وفيه معنى آخر ، فإذا عرفت الخروج من قشر الوجود ، فتوكل على الله إلى تفويض أمر قشر الوجود إليه لا تقدر أن تخرج عن نفسك ، بل هو الذي يخرجكم عن ظلمة وجودكم المخلوقة إلى نور القدم ، كما قال تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ، وقال تعالى : { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } [ النور : 35 ] ، والتوكل تفويض الأمور الإلهية التي لا يمكن لغير الله تعالى ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران : 159 ] ، الذين جذبتهم العناية برسن المحبة إلى عزيمة الخروج من حجاب الوجود للوصول إلى المحبوب ، ففوضوا أمر إخراج عن الوجود إلى الله تعالى لا سبيل لغيره إليه ؛ لأنه هو الذي أخرجهم من العدم إلى الوجود ، فهو يخرجهم منه بفضله وكرمه ويهديهم إليه .