Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-184)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أمثال هذه الأعمال من الأفعال والأقوال بقوله تعالى : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ } ، إشارة في الآيتين : إن العبد إذا غلبت عليه الصفات الذميمة واستولى عليه الهوى والشيطان ومات قلبه ، تكاملت الصفة الأمارة بالسوء لنفسه ، { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [ النجم : 3 - 4 ] إليه الشيطان لقوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } [ الأنعام : 121 ] ، والنفس إذا تكلمت بالهوى تدعي بالربوبية ادعاء فرعون ، { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] ، فيكون كلامها من صفات الربوبية ، وإن من صفات الربوبية قوله تعالى : { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } [ محمد : 38 ] ، فإذا تم فساد حال النفس الأمارة بالسوء تثبت صفات الربوبية لنفسها ، وصفات العبودية لربها ، كقوله تعالى : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] ، أثبتوا لأنفسهم صفات الربوبية وهي الغناء ، وأثبتوا لله صفة العبودية وهي الفقر ، { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } [ آل عمران : 181 ] ، وسنميت قلوبهم بأقوالهم هذه كما أمتناها بأفعالهم ، وهي { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [ آل عمران : 181 ] ، يشير إلى : إن جزاء هذه الأحوال في حق الله سبحانه مثل جزاء هذه الأفعال في حق الأنبياء - عليهم السلام - { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ } [ آل عمران : 181 ] ، القلب الميت { ٱلْحَرِيقِ } [ آل عمران : 181 ] ، بنار القهر والقطيعة { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] ؛ أي : بشؤم معاملاتكم القولية والفعلية على وفق الهوى والطبيعة ، وخلاف الرضاء والشريعة ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] ، بأن يضع الشيء في موضعه لهم ؛ يعني : لا يجعل المصلح منهم مظهر صفة قهره ، ولا المفسد منهم مظهر صفة لطفه ، كما قال تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . ثم أخبر عمن لهم مثل حالهم وشبه مقالهم بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } [ آل عمران : 183 ] ، الإشارة في الآيتين ، فاعلم أولاً أن الإنسان هو العالم الأصغر فيوجد فيه النموذج من كل ما في العالم الأكبر ، وفي قوله تعالى : { قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } [ آل عمران : 183 ] ، إشارة إلى : إن في اليهود صفات البهيمة والسبعية والشيطنة ، { أَلاَّ نُؤْمِنَ } [ آل عمران : 183 ] ؛ أي : لا تستسلم ولا تنقاد { لِرَسُولٍ } [ آل عمران : 183 ] ؛ أي : خاطر روحاني وإلهام رباني ، أو وارد حق { حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ } [ آل عمران : 183 ] ، وهو الدنيا وما فيها نجعلها نسيكة لله عز وجل { تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } [ آل عمران : 183 ] ، { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ الهمزة : 6 - 7 ] ، التي تقدح من زناد نخبهم ، فإن كثيراً من الطالبين الصادقين يجعلون الدنيا وما فيها قرباناً لله تعالى فلا تأكله نار الله ، { قُلْ } [ آل عمران : 183 ] ، يا دار الحق { قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي } [ آل عمران : 183 ] ؛ أي : واردات من الحق { بِٱلْبَيِّنَاتِ } [ آل عمران : 183 ] ، والبراهين الظاهرة والحجج الباهرة ، { وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ } [ آل عمران : 183 ] ؛ أي : بإتيان الدنيا قرباناً ، { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ } [ آل عمران : 183 ] ، غلبتموهم وتحرقونهم حتى لم يبق أثر من تلك الواردات ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 183 ] ، إنكم تنقادون بالواردات الحق . فاعلم : أن الله تعالى كما قدر أن بعض الأمم يغلبون بعض أنبيائهم ويقتلونهم قبل الإيمان أو بعد الإيمان بهم ، كذلك قدر أن بعض الصفات النفسانية ، فغلب على بعض الإلهامات الربانية والواردات الرحمانية فتمحوها ، كما قال تعالى : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] قبل انقيادها لها ، وبعد ما انقادت لها ، { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } [ الأنفال : 42 ] ، { فَإِن كَذَّبُوكَ } [ آل عمران : 184 ] ، أيها الوارد الرحماني يهود الصفات النفسانية ، { فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } [ آل عمران : 184 ] في الصورة والمعنى ، { جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } [ آل عمران : 184 ] ، أي : بالمعجزات الظاهرة والباطنة وغرائب العلوم ، وكشف الأسرار واستخراج الحقائق ، واستنباط المعاني التي تعجز عن إتيانها فحول وجمهور الحكماء ، ولا يعلمها إلا العلماء بالله .