Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-187)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن قوت كل نفس بالموت بقوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [ آل عمران : 185 ] ، والإشارة في تحقيق الآيتين : إن كل نفس منفوسة { ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [ آل عمران : 185 ] ؛ يعني : قابلة للفناء ، ثم اعلم أن النفوس على ثلاثة أقسام : قسم منها : يموت ولا حشر له للبقاء كسائر الحيوانات ، وقسم : يموت في الدنيا ويحشرون في الدنيا والآخرة ؛ وهي نفوس خواص الإنسان ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن حيًّ في الدَّارين " ، على أن لها موتاً معنوياً ، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله : " موتوا قبل أن تموتوا " ، وهو الفناء في الله بالله لله ولها حياة معنوي في الدنيا كما قال تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ؛ وهو البقاء بنور الله تعالى ، ففي قوله عز وجل : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [ آل عمران : 185 ] ، إشارة إلى : إن كل نفس مستعدة للفناء في الله ولا بد لها من موت ، فمن كان موته بالأسباب تكون حياته بالأسباب ، ومن كان فناؤه بالله يكون بقاؤه بالله ، { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 185 ] على قدر تقواكم وفجوركم ، { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 185 ] ، القطيعة وأخرج من جحيم الطبيعة على قدمي الشريعة والطريقة ، { وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ } [ آل عمران : 185 ] ، الحقيقة { فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران : 185 ] ، { فَوْزاً عَظِيماً } [ النساء : 73 ] ، { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } [ آل عمران : 185 ] ونعيمها ، { إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } [ آل عمران : 185 ] ؛ أي : متاع يغتر بها المغرور والممكور . { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } [ آل عمران : 186 ] بالجهاد الأصغر ، هل تجاهدون بها وتنفقونها في سبيل الله أم لا ؟ وبالجهاد الأكبر ، أما الأموال فهل تؤثرون على أنفسكم ولو كان بكم خصاصة ؟ وأما الأنفس فهل تجاهدون في الله حق جهاده أم لا ؟ { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [ آل عمران : 186 ] ؛ يعني : أهل العلم الظاهر ، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } [ آل عمران : 186 ] أهل الرياء من القراء والزهاد ، { أَذًى كَثِيراً } [ آل عمران : 186 ] ، بالغيبة والملامة والإنكار والاعتراض ، { وَإِن تَصْبِرُواْ } [ آل عمران : 186 ] ، على جهاد النفس وبذل المال وأذية الخلق ، { وَتَتَّقُواْ } [ آل عمران : 186 ] بالله عما سواه ، { فَإِنَّ ذٰلِكَ } [ آل عمران : 186 ] الصبر والتقوى ، { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ آل عمران : 186 ] ، الذي هو من أمور أولي العزم ، كما قال تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] . ثم أخبر عن سياق أهل الميثاق بقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 187 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى أخذ ميثاق ذرات من رش عليهم من نوره يوم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] ، وأعطاه على قدر ذلك الرشاش علماً بأركان الإسلام ومعاملات الدين ، وهدى الإيمان وطريق السلوك إليه ، { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 187 ] ؛ أي : للناسي منهم ذلك الميثاق ، { وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [ آل عمران : 187 ] ، عن طالبيه ومستحقيه وذلك ؛ لأنه تعالى بنى أمر هذا الدين على النصيحة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الدين النصيحة " ، { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ آل عمران : 187 ] ، أكثر الخلق العمل بالميثاق ، { وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [ آل عمران : 187 ] ، من متاع الدنيا وزخارفها فإنه قليل ، كما قال تعالى : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] فانياً بعذاب كثير باقٍ .