Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-56)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إحساس عيسى عليه السلام لما كفر الناس بقوله تعالى : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] ، إشارة في الآية : إن عيسى الروح أحسن من النفس وصفاتها الكفر ، { قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] ، أعواني في الله { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } [ آل عمران : 52 ] ؛ يعني : القلب وصفاته { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] ؛ أي : أعوان الله في نصرة الحق { آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] ؛ أي : بوحدانيته والتبري عن غيره { وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 52 ] ؛ أي : مستسلمون لأحكامه ، راغبون بقضائه ، صابرون على بلائه { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ } [ آل عمران : 53 ] ، من الحكم والأسرار واللطائف والحقائق { وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ } [ آل عمران : 53 ] ، الوارد من نفخات ألطافك ومنحات إعطائك { فَٱكْتُبْنَا } [ آل عمران : 53 ] ، فاجعلنا { مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } [ آل عمران : 53 ] ، الذين يشهدون شواهد جلالك ويشاهدون أنوار جمالك { وَمَكَرُواْ } [ آل عمران : 54 ] ؛ يعني : النفس وصفاتها والشياطين وعنانها في هلاك الروح { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] ، بتجلي صفات قهره في فناء النفس وصفاتها { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] ، في قهر النفس وصفاتها بالسوء وإفناء صفاتها ، وقمع هواها وقلع شهواتها . ثم أخبر عن رفعه عيسى عليه السلام حباً وهو المتوفى بقوله تعالى : { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [ آل عمران : 55 ] ، والإشارة في الآيات : إن الله قال لعيسى : أني متوفيك عن الصفات النفسانية والأوصاف الحيوانية ، ورافعك إليَّ بجذبات العناية ، وهذا كما أسرى بعبده صلى الله عليه وسلم إلى { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] ، ومن خواص جذبة الربوبية : تطهير الصفات البشرية ، يدل عليه قوله تعالى : { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ آل عمران : 55 ] ؛ أي : ومطهرك من أخلاق الذين كفروا وأوصافهم { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } [ آل عمران : 55 ] ، بالأعمال الظاهرة وهي الشريعة ، والأحوال الباطنة وهي الطريقة ، { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 55 ] ، في التحقيق بالعهد ، والغلبة والعزة والبرهان والحجة وهم أهل الإسلام ؛ لأنهم الذين اتبعوا دينه وسنته ، وما اتبعه حقيقة من دعاء رباً وابن الله ، { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } [ آل عمران : 55 ] ، باللطف والقهر والاختيار على قدم السلوك ، أو بالاضطرار عند نزع الروح ، { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [ آل عمران : 55 ] بالقبول والرد ، والثواب والعقاب ، { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ آل عمران : 55 ] ، من الحق والباطل ، واتباع الهدى والهوى . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ آل عمران : 56 ] ، ستروا الحق بالباطل واتبعوا الهوى ، فضلوا عن طريق الهدى { فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا } [ آل عمران : 56 ] ، بحجاب الغفلة والاشتغال بغير الله تعالى ، { وَٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 56 ] ، بالقطيعة والبعد عن الله تعالى { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ آل عمران : 56 ] ، في الدنيا والآخرة على خلاصهم من العذاب .