Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-80)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن بعض أهل الكتاب بالأمانة ، وبعضهم بالخيانة بقوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] ، إشارة في الآيتين : إن من أهل القصة من تأمنه امتحاناً بكثير من الدنيا يؤده إليك بالخروج عن عهدته ، وعدم الالتفات به إليه وقطع النظر عنه ، { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] ؛ [ لتمكن ] الحرص ، وغلبة الهوى ، وخسة النفس ، وركاكة العقل ، ودناءة الهمة ، { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } [ آل عمران : 75 ] ، بمطالبة الحقوق منه إخباراً { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } [ آل عمران : 75 ] ، بسوء النفس وإلقاء الشيطان { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } [ آل عمران : 75 ] ، من مباشرة الدنيا ومعاشرة الخلق ، خرج ولا يحجبنا عن الله تعالى هذا التصرف والالتفات { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [ آل عمران : 75 ] ، بهذه المقالة { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 75 ] ، عن أنفسهم هذه المحالة ، ويجترون على الله ويفترون . { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ } [ آل عمران : 76 ] ، من الله الذي دهاهم في الميثاق بأن لا يعبدوا إلا الله ، ولا يطلبوا منه إلا هو ، { وَاتَّقَى } [ آل عمران : 76 ] ، عن غير الله بالله { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 76 ] به عن غيره . واعلم أن أهل الكتاب الحقيقي في الحقيقة هم أهل هذه القصة ، كما قال تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] ، { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } [ ص : 47 ] ، فافهم جيداً . ثم أخبر عن اشتراء أهل الاجتراء بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 77 ] ، إشارة في الآيتين : إن الذين يشترون بعهد الله الذي عاهدهم الله يوم الميثاق في التوحيد وطلب الوحدة ، وإيمانهم التي يخلقون بها هاهنا ثمناً قليلاً من متاع الدنيا وزخارفها ، مما يلائم الحواس الخمس والصفات النفسانية { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 77 ] ، الروحانية من نسيم روائح الأخلاق الربانية { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 77 ] ، تقريباً وتكريماً وتفهيماً { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 77 ] ، بنظر العناية والرحمة فيرحمهم { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } [ آل عمران : 77 ] ، عن الصفات التي يستحقون بها دركات جهنم ، ولا يزكيهم عن الصفات الذميمة التي هي وقود النار إلى الأبد ، فلا يتخلصون منها أبداً { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 77 ] ، فيما لا يكلمهم الله ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم . { وَإِنَّ مِنْهُمْ } [ آل عمران : 78 ] ، من مدعي أهل المعرفة { لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 78 ] ، بكلمات أهل المعرفة { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 78 ] ؛ أي : من أهل المعرفة { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } [ آل عمران : 78 ] ، الذي كتب الله في قلوب العارفين ، { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [ آل عمران : 78 ] ، بإظهار الدعوى عند فقدان المعاني { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 78 ] ولا يعلمون ، { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } [ الشعراء : 226 ] . ثم أخبر عن صدق صديقهم بقوله تعالى : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } [ آل عمران : 79 ] ، إشارة في الآيتين : إن ليس من شأن بشر أن يؤتيه الله الكتاب حقيقياً من أهل القصة ، كما قال تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] ، والحكم ؛ يعني : الحكمة التي هي من نتائج إيتاء الكتاب ، والنبوة ؛ أي : أداء النبوة { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 79 ] ، أن هذه المقالة من صفات البشر ورعونة النفس وشرها ، { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] ، فالخير الكثير مزيل صفات البشر ورعونة النفس وشرها ، وصدك لها بالصفات الروحانية والأخلاق الربانية ، { وَلَـٰكِن } [ آل عمران : 79 ] ، يقول لهم { كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ } [ آل عمران : 79 ] ؛ يعني : من دأب القوم وهجراهم تربية الإتباع والمريدين ؛ ليكونوا ربانيين متخلقين بأخلاق الروحانية عالمين { بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [ آل عمران : 79 ] ، من العلوم ، ولا يطلبون عن دراستها ، ولا يفترون بمقالات أخذوها من أفواه القوم ، وفيه إشارة أخرى وهي : أن بعض مدعي هذا الشأن الذين غلبت عليهم أهواءهم وصفات بشريتهم ، يدعون الشيخوخة من رعونة النفس قبل أوانها ، ويخدعون الخلق بأنواع الحيل ، ويستتبعون بعض الجهلة ، ويعبدونهم بكلمات أخذوها من الأفواه ، ويمكرون بعض أهل الصدق من الطلبة ويقيدونهم بالإرادة ، ويقطعون عليهم طريق الحق بأن منعوا من صحبة أهل ومشايخ الطريق ، ويأمرونهم بالتسليم والرضا فيما يعاملونهم ، ولا يعرفون غيرهم فيعبدون من دون الله كما هو دأب أكثر أهالي مشايخ زماننا هذا ، فإنه ليس من دأب من يؤت الحكمة والكتاب والنبوة . ثم قال : { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } [ آل عمران : 80 ] ؛ يعني : من يؤت الكتاب والحكمة والنبوة { أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً } [ آل عمران : 80 ] ، فضلاً عن أنفسهم { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } [ آل عمران : 80 ] ؛ وهو التثبت بما يصدكم عن السبيل { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 80 ] لرب العالمين في الطلب .