Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 81-84)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أخذ الميثاق لنصرة أهل الوفاق بقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ } [ آل عمران : 81 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم عليه السلام من صلبه كما أخذ الميثاق عليهم بالوحدانية لنفسه ، فكذلك أخذ الميثاق عليهم بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم فاستوى فيه الأنبياء والأمم ، وإن قال : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } [ آل عمران : 81 ] ، فإن الخطاب مع الأنبياء وأممهم يدل عليه قوله : { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } [ آل عمران : 82 ] ، بعض الأمم { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 82 ] ، وفي قوله تعالى : { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } [ آل عمران : 81 ] ، فالخطاب مع أمة النبي بالإيمان به والنصر له ، وإن ناصر كل نبي أمته بالإيمان والنصر له بأن يؤمنوا به وإن لم يدركوا زمانه ويواصوا أولادهم بأن يؤمنوا به ، إن أدركوه فإن لم يدركوه فينصرونه نية في الغيبة والحضور ، كقوله تعالى : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } [ البقرة : 132 ] ، فلما أخذ الله تعالى على جميعهم الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ } [ آل عمران : 81 ] ؛ يعني : الأنبياء والأمم { أَقْرَرْنَا } [ آل عمران : 81 ] ؛ يعني للأنبياء على أنفسكم وعلى بعضكم بعضاً وعلى الأمم كلها ولهذه الأمة خاصة وعلى الناس كافة ، وللنبي صلى الله عليه وسلم أنتم شهداء لله في أرضه { قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ آل عمران : 81 ] ؛ يعني : مع كل طائفة منكم في كل زمان من الحاضرين معكم ، أسمع وأرى ما تقولون فيه وتفطنون معه ، { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } [ آل عمران : 82 ] ؛ يعني : عن الإيمان ، والنصر له منكم معاشر الأمم { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 82 ] ، الخارجون عن عهدي والناكثون { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } [ آل عمران : 83 ] ؛ يعني : الذين يتولون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وعن دينه الإسلام ، فإن دينه هو دين الله كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] ، فمن تمسك بغير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضل عن طريق الحق وابتغى غير دين الله ، فإن الدين هو الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع الإسلام لله تعالى بالوحدانية { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } [ آل عمران : 83 ] يوم الميثاق ، فمن شاهد الجمال أسلم له طوعاً ، ومن شاهد الجلال أسلم له كرهاً ، فليس الاعتبار بذلك الإسلام الفطري ، بل الاعتبار بهذا الإسلام الكسبي في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم طوعاً وكرهاً ، كما قال تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] ، قال تعالى : { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ آل عمران : 83 ] ؛ يعني : الكافر والمؤمن يرجع إلى الله تعالى طوعاً وكرهاً ، فإن الذي يرجع إليه طوعاً ؛ فهو الذي يتمسك بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم أخبر عن سريرته صلى الله عليه وسلم ؛ ليتمسك بسيرته بقوله تعالى : { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } [ آل عمران : 84 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد مالك وإن لم يعتبر الحال بالقال ؛ ليقتدوا بك وليعرفوا دينك آمناً بالله ليلة المعراج إيماناً عيانياً لأبياتنا ، وما أنزل علينا حين { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ، { وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } [ آل عمران : 84 ] ، وأتاني { وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } [ آل عمران : 84 ] ، إيتاءً حقيقياً حتى فضلت على الأنبياء بما أوتيت جوامع الكلام وما أوتي أحد قبلي { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ } [ آل عمران : 84 ] ؛ أي : لا نفرق بين أحدٍ أنا وأمتي { مِّنْهُمْ } [ آل عمران : 84 ] ، من الأنبياء بالإيمان لهم { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 84 ] ؛ أي : مستسلمون لجميع أوامره ونواهيه وأحكامه وقضائه في الدنيا والآخرة .