Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 8-12)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن طلب الهداية لآية التأويلات بالدراية { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } [ آل عمران : 8 ] ، إشارة في التحقيق الآيتين : إن الله تعالى بعد أن ذكر الراسخين في العلم وتذكر أولوا الألباب ، ذكر وظيفة حالهم شكر المنعم وحفظاً للنعمة ، وألهم لمزيد النعمة بقوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ آل عمران : 8 ] ، هذا الحال لمن هدى إلى صراط مستقيم ، { رَبَّنَا } [ آل عمران : 8 ] ؛ أي : خالقنا ومربينا وهدينا ، { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } [ آل عمران : 8 ] ، عن صراطك المستقيم باستيلاء أهوائنا ، وغلبات شهواتنا ، وظلمات طبائعنا ، { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ آل عمران : 8 ] ، إلى حضرة جلالك ونورت قلوبنا بأنوار جمالك ، حتى سمعنا بلب التنزيل ، وانصرنا بلب أنصارنا لب التأويل ، وتذكرنا بلب عقولنا لب علوم علمتنا ، كما أزغت قلوبنا بعد إذ هديتنا في الميثاق إلى شهود شواهد جمالك ، واستماع مقالك وحسن إجابة سؤالك ، وجبت علينا من سجال نوالك وفيض فضلك وأفضالك ، مجيئنا بشهودنا عن شهودك ، ووجودك وبوجودنا عن وجودك ، وبتفقدنا عن تفقدك ، وغيبتنا بنا عنك بأوصافنا عن أوصافك ، وبذواتنا عن ذاتك ، { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [ آل عمران : 8 ] ، تجذبنا عن لَدُنا إلى لدنك عنا ، [ وتقربنا ] بك بصفاتك عن صفاتنا ، وبذاتك عن ذواتنا ، وهذا وظيفة الحال لأرباب هذه الأحوال أن لا يسكنوا ولا يقفوا مع حال ، وإن يعلموا أن لا نهاية لمواهبه ، ولا غاية لمطالب طالبه فيكونوا إلى الأبد طلاباً ، كما كان الله تعالى من الأزل إلى الأبد وما باقي قوله تعالى : { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 9 ] ، إشارة إلى : إن بعد هذه الدار داراً وهي دار القرار ، وإن النعم للإبرار ، وإن الجحيم للفجار ، وإن مكسب البر والفجور هذه الدار ، وإن أجر البر والفاجر { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 9 ] ؛ ولهذا يجمعهم ليوفيهم أجورهم التي كسبوا من الخير والشر بالثواب والعقاب ، كقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 25 ] ، فلا تسكنوا عن الطلب ، وتجهدوا بالنصب ، وتزودوا للمعاد ، وتزودوا في التعب ، فإن حصول الأرب بقدر رعاية الأدب في الطلب ومقاساة التعب والنصب ، وتزودوا للمعاد من زاد التقوى فإنها خير الزاد ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 9 ] . ثم أخبر عن قوم لم يتزودوا ، وأزيد الزاد للمعاد ولا يفنى عنهم الأموال والأولاد بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ آل عمران : 10 ] ، إِشارة في تحقيق الآيتين : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ آل عمران : 10 ] ؛ أي : ستروا أنوار روحانيتهم بظلمات الصفات ، نفسانيتهم من جحود الحق وإنكاره وإتباع الهوى إلى الشهوات ، { مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } [ آل عمران : 14 ] ، { وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ آل عمران : 14 ] ؛ وهي الطاغوت التي قال الله تعالى { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] ، { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ آل عمران : 116 ] ؛ يعني : من أنوار الله التي حجبوا عنها وشواهد الربوبية ، كما قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] ، { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 10 ] ؛ يعني : صفاتهم النفسانية واستيفاء لذاتهم الشهوانية وأفعالهم الجسمانية { وَقُودُ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 10 ] ، الفرقة والقطيعة . واعلم أن النار : نار الله ، ونار الجحيم ، وأما نار الله : فهي نار القطيعة عن الله ، فيها يعذب قلوب المحجوبين عن الله تعالى ، كقوله : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ الهمزة : 6 - 7 ] ، وأما نار الجحيم : فهي نار الشهوات والمعاملات على الغفلات من المخالفات ؛ فهي تحرق قشور الجلود كما قال الله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } [ النساء : 56 ] ، ولا تخلص هذه النار إلى لب القلوب ، فإن عذاب حرقة الجلود بالنسبة إلى عذاب فرقة القلوب ؛ كنسيم الحياة وسموم الممات ، ففي فؤاد الحب نار جوى أحر نار الجحيم أبردها ، { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ آل عمران : 11 ] ؛ يعني : دأب جميع الكفار وواحد من المتقدمين والمتأخرين ، فدأب من في عهدك يا محمد { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } [ آل عمران : 11 ] ، الذين كانوا في عهد موسى ، { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ آل عمران : 11 ] ، كانوا في عهد إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام . ثم أخبروا بهم وقال تعالى : { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [ آل عمران : 11 ] ؛ يعني : كل قوم من هؤلاء لما ستروا روحانيتهم بأستار ظلمات نفسانيتهم { عَمُواْ وَصَمُّواْ } [ المائدة : 71 ] ، فما شهدوا شواهد أنوارنا وما كاشفوا بحقائق أسرارنا فحرموا عن شهود آثار آياتنا ، وإذا تليت عليهم { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 11 ] ، وطردهم عن القرب وأبعدهم { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ آل عمران : 11 ] ؛ أي : شديد عقاب فراقه وبعده ، أليم عذاب الحرمان عن جواره وقربه . ثم أخبر عن حاصل أمرهم يوم حشرهم بقوله تعالى : { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ آل عمران : 12 ] ، إشارة في الآية : إن المبتلي بالكفر مغلوب حكم الأزلي بالشقاوة ؛ لقوله : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [ المؤمنون : 106 ] ، ثم الهدى والنفس والشيطان ولذة الدنيا ، فغلبات الهوى والنفس ترد إلى أسفل سافلين الطبيعة فيعيش فيها ، ثم يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه في قعر { جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ آل عمران : 12 ] ، ومعاده وأنه مهده في معاشه .