Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 13-17)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن برهان ما ادعى من الأمر فيما غلبوا يوم بدر بقوله تعالى : { ثم قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 13 ] ، إِشارة في الآية : إن الله تعالى { فِئَتَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ، في الظاهر من المؤمن والكافر ، وفئتين في الباطن من القلب وصفاته الحميدة ، { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } [ آل عمران : 13 ] ؛ وهي النفس الأمارة بالسوء وصفاتها الذميمة ، ولهم الحرب والالتقاء على الدوام ؛ وهو الجهاد الأكبر ، فتارة يؤيد الله تعالى فئة القلب بالنصر ويريهم في أعين فئة النفس كثير ، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ، وتارة يؤيد فئة النفس بالنصر فيريهم في أعين فئة القلب كثيراً ، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ، فيولون وينهزمون ، { وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ } [ آل عمران : 13 ] ، من القلب وجنوده وهم : الروح والسر والأوصاف الحميدة والملائكة ، ومن النفس وأعوانها وهم : الهوى والدنيا والأوصاف الذميمة والشياطين و { آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } [ آل عمران : 13 ] ، أن لو كان المنصور فيه القلب والمغلوب فيه النفس ، { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] ، لا ترى النفس في فئتها إلا قليلاً ، ينهزم الشيطان والدنيا والهوى فلا يبقى مع النفس من جنودها وأعوانها ، إلا بعض أوصافها ، فينظرون إلى جنود القلب مجتمعين تائبين يقاتلون في سبيل الله ، { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] ، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ، ولو كان المنصور فئة النفس والمغلوب فئة القلب ، لا يرى القلب من فئة إلا قليلاً من أوصافه ، فينظرون إلى أعوان النفس ، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ؛ لأن الهوى والدنيا والشياطين أوصاف النفس ، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [ آل عمران : 13 ] ؛ لأن الهوى والدنيا والشياطين أوصاف النفس مجتمعون ثابتون مع النفس في قتال القلب ، إن الله تعالى وقضائه { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } [ البقرة : 253 ] وفق المشيئة { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ البقرة : 253 ] ، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً } [ آل عمران : 13 ] ، من رؤية الحق في الأحكام الأزلية وأجزائها على وفق المشيئة { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [ آل عمران : 13 ] ، المؤيدة بصائرهم بأنوار { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . ثم أخبر عن جنود الفئتين وأعوان الفرقتين بقوله تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ } [ آل عمران : 14 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى خلق الخلق على طبقات ثلاث : عوام وهم : أرباب النفوس ، والغالب عليهم الهوى والشهوات ، والخواص وهم : أرباب القلوب ، والغالب عليهم الهدى والتقوى ، وخواص الخواص وهم : أرباب القلوب عليهم المحبة والشوق ، وإن الله تعالى يذكر كل صنف منهم باسم يناسب أحوالهم ، فيذكر العوام باسم الناس ، كقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ الحجرات : 13 ] ، وقوله تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 14 ] ، والناس مشتق من النسيان ، ويذكر الخواص باسم المؤمن { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ آل عمران : 100 ] ، وقوله تعالى : والمؤمنون { وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 285 ] ، ويذكر خواص الخواص باسم الولي ، كقوله تعالى : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] . ثم شرح أحوال العوام المردودين إلى أسفل دركات البعد ، المطرودين من أعلى الدرجات القرب بقوله تعالى : { لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ … } [ آل عمران : 14 ] ، الآية . ثم اعلم أن لجهنم سبع دركات محفوفة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " حفت النار بالشهوات " ، والشهوات سبع لكل دركة شهوة ، فإذا ابتلي المرء بشهوة منها يكون من أهل دركة منها ، والشهوات السبع ما عده الله تعالى في هذه الآية ، إشارة بكل واحد منها إلى شهوة بقوله تعالى : { مِنَ ٱلنِّسَاءِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الفرج ، { وَٱلْبَنِينَ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الطبيعة الحيوانية المائلة إلى الولد ، { وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الحرص على جميع المال ، { وَٱلْفِضَّةِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الزينة بالحلي والأواني المتخذة منها ، { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الجاه والرفعة بالركوب عليها ، { وَٱلأَنْعَامِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الخيلاء بالتمايل بها ، { وَٱلْحَرْثِ } [ آل عمران : 14 ] ، وهي شهوة الحكم والأوامر والنواهي على الرعايا ، فهذه سبع شهوات خفت سبع دركات النار بها ، ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا [ آل عمران : 14 ] ؛ يعني : متمتعان أهل الدنيا الذين يأكلون الدنيا { كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } [ محمد : 12 ] . ثم شرح أحوال الخواص وخواصهم المقبولين بقبول العناية المجذوبين عن شهوات نفوسهم ، والطبائع الحيوانية بجذبات الهداية الربانية والولاية بقوله تعالى : { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [ آل عمران : 14 ] ، { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } [ آل عمران : 15 ] ؛ يعني : قل لأرباب النفوس المتمتعين بالحياة الفانية أنبتكم بخير من ذلكم مما أنتم فيه { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } [ آل عمران : 15 ] ، حذروا واحترزوا من الشهوات والشبهات وما يشغلهم من الله تعالى ؛ وهم الخواص { عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 15 ] ، فكما أن لأرباب النفوس ، فعصيان الشهوات النفسانية سوء حظ من دركات الجحيم عاجلاً ، ثم يصلونها عاجلاً ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الأنفطار : 14 ] ؛ يعني : الآن عاجلاً ، { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } [ الانفطار : 16 ] اليوم ، فكذلك لأرباب القلوب بغلبات الأخلاق الروحانية حسن حظ من درجات الجنات ونعيمها عاجلاً ، ثم يدخلونها أجلاً ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [ المطففين : 22 ] ؛ يعني : الآن عاجلاً النعيم الذي يتمتعون به أرباب القلوب ثمانية ، وقد ذكرها الله تعالى في الآيتين وما بعدها وهي الإيمان بقوله تعالى : { رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا } [ آل عمران : 16 ] ، والتقوى ؛ لقوله تعالى : { وَٱلصَّادِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، والطاعة ؛ لقوله تعالى : { وَٱلْقَانِتِينَ } [ آل عمران : 17 ] ؛ أي : المطيعين ، والإنفاق في طاعة الله ؛ لقوله تعالى : { وَٱلْمُنْفِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، والاستغفار بقوله تعالى : { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، والرضاء بالقضاء بقوله تعالى : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 72 ] ، هذه جنات في قلوب الخواص { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ آل عمران : 15 ] ، الألطاف واردات ترد على القلوب ، فيسقي بها جنات الأخلاق الجنات { وَأَزْوَاجٌ } [ آل عمران : 15 ] ، من نظرات الحق ، { مُّطَهَّرَةٌ } [ آل عمران : 15 ] ، من الحدوث من كل حدث ، كما قال تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] ، فمن تلك الأزواج المطهرة تتولد الأخلاق المطهرة . ثم أشار إلى أحوال خواص الخواص ، مستورة من نظر الخواص محفوظة من فهم العوام ؛ لقوله تعالى : { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [ آل عمران : 14 ] ؛ يعني : لأرباب الأرواح جذبهم عنهم بجذبات المحبة ، فما استحلوا لهم الدنيا ليسكنوا فيها ، كما قال تعالى : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] ، قال تعالى : { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } [ النبأ : 39 ] ، { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } [ آل عمران : 15 ] ؛ أي : بعوامِّهم ومثواهم ، وخواصهم ومآبهم ، وخواص خواصهم ومآبهم ، ورجعتم كما قال تعالى : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق : 8 ] ، فافهم جيداً . ثم أخبر عن أقوالهم من نتائج أحوال بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 16 ] ، إشارة في الآيتين : إن { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا } [ آل عمران : 16 ] ، ما هم من { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] بل إنما هم من { ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا } [ فصلت : 30 ] بأفواههم ، { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] ، بقلوبهم على الإيمان ، { ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، على حقوق الإيمان وعن حظوظ الإنسان ، { وَٱلصَّادِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، بصدق اللسان والأركان والجنان ، { وَٱلْقَانِتِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، لله وبالله في كل زمان ومكان ، { وَٱلْمُنْفِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، من وجودهم في الله بقدر الإمكان { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، عما كان منهم كيفما كان ، { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [ آل عمران : 16 ] ، ، فأغفر بك عنا ذنوبنا { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 16 ] ، إنابتنا الصابرين بك عنا ، { وَٱلصَّادِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، فيك { وَٱلْقَانِتِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، لك بك { وَٱلْمُنْفِقِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، منا عليك ، { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، عنا عنك .