Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 18-22)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } في الحالتين إن كنتم { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الروم : 18 ] سماوات القربات والوصلات . { وَٱلأَرْضِ } [ الروم : 18 ] ، وإن كنتم في أرض البعد والقربات { وَعَشِيّاً } [ الروم : 18 ] أي : عشاء غشاوة القلوب بالقساوة والاستغراق في بحر الغفلات { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 18 ] عند استواء شمس العرفان وسعة سماء القلوب واستهلاك وجود العارف في عين الشمس باقياً بعين الشمس ، فإن الربح والخسران في تلك الحالتين راجع إلى الطائفتين { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 6 ] . { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ } [ الروم : 19 ] بنور الله { مِنَ ٱلْمَيِّتِ } [ الروم : 19 ] أي : من النفس الميتة عن صفاتها وأخلاقها الذميمة إظهاراً للطفه ورحمته { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ } أي : القلب الميت عن الأخلاق الحميدة الروحانية { مِنَ ٱلْحَيِّ } [ الروم : 19 ] . { وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الروم : 19 ] من النفس الحية بالصفات الحيوانية الشهوانية إظهاراً لقهره وعزته . ثم أخبر عن الآيات البينات الدالة على خلقه المخلوقات بقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الروم : 20 ] يشير إلى أن التراب أبعد الموجودات عن الحضرة ؛ لأنا إذا نظرنا على الحقيقة وجدنا أقرب الموجودات إلى الحضرة عالم الأرواح ؛ لأنه أول ما خلق الله الأرواح ثم العرش ؛ لأنه محل صفة رحمانية ، ثم الكرسي ، ثم السماء السابعة ، ثم السماوات كلها ، ثم فلك الأثير ، ثم فلك الزمهرير الهواء ، ثم الماء ثم التراب وهو جماد لا حس فيه ولا حركة وليس له قدرة على تغيير ذاته وتبديل صفاته ، فلما وجدنا ذاته متغيرة عن وصف الترابية صورة ومعنى وصفاته متبدلة كتغير صورته بصورة البشر وتبدل صفته بصفة البشرية ؛ علم أنه محتاج إلى مغير ومبدل وهو الله سبحانه وتعالى . وأشار بقوله : { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } [ الروم : 20 ] يعني : كنتم تراباً جماداً ميتاً أبعد الموجودات عن الحضرة جعلتكم بشراً بنفخ الروح فإنه آية أظهر وأبين من الجمع بين أبعد الأبعدين والأقربين بكمال القدرة والحكمة ، وجعلتكم مسجود الملائكة المقربين وجعلتكم مرآة مظهرة بجميع صفات جمالي وجلالي ولهذا السر جعلتكم خلائف الأرض . { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [ الروم : 21 ] يعني : ازدواج الروح والنفس فإنه تعالى خلق النفس من الروح وجعلها زوجه كما خلق حواء من آدم وجعلها زوجة ليسكن إليها يعني : الأرواح إلى النفوس كما سكن آدم إلى حواء ، ولو لم تكن حواء لاستوحش آدم في الجنة كذلك الروح ، ولو لم تكن النفس خلقت منه لسكن إليها واستوحش من القالب ولم يسكن فيه { وَجَعَلَ بَيْنَكُم } [ الروم : 21 ] أي : بين الروح والنفس { مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] ألفة واستئناساً ليسكن في القالب . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : 21 ] بالفكر السلبي في الإنسان كيف أودع الله فيه سراً من المعرفة التي كل المخلوقات كانت في الخلقة تبعاً لها ، { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الروم : 22 ] سماوات القلوب { وَٱلأَرْضِ } [ الروم : 22 ] أرض النفوس ، { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ } [ الروم : 22 ] أي : اختلاف ألسنة القلوب في ألسنة النفوس فإن لسان القلوب يتحرك بالميل إلى العلويات وفي طلبها يتكلم ولسان النفوس يتحرك بالميل إلى السفليات وفي طلبها يتكلم . { وَأَلْوَانِكُمْ } [ الروم : 22 ] أي : وطبائعكم المختلفة منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } [ الروم : 22 ] العارفين الذين عرفوا حقيقة أنفسهم وكماليتها فعرفوا الله ورأوا آياته إراءة إياهم لقوله : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] .