Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 28-30)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن ضرب الأمثال بالفضل والأفضال بقوله تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ } [ الروم : 28 ] يشير إلى الروح والقلب والسر والعقل { مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } معكم { هَلْ لَّكُمْ } [ الروم : 28 ] يا روح وأتباعه . { مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ الروم : 28 ] أي : الأعضاء والجوارح والحواس والقوى التي نسبتها إليكم نسبة العبد مع المولى إلى { مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ الروم : 28 ] كم من العلوم والكشوف والشواهد والمواهب الربانية يشاركونكم فيها ، { فَأَنتُمْ فِيهِ } [ الروم : 28 ] وهم في المواهب . { سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ } [ الروم : 28 ] ألا تضيعوا شيئاً من المواهب بالتصرفات الفاسدة فيها { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } [ الروم : 28 ] يعني : تصفية الروح عن القلب ألا يضيع شيئاً مما أفاض إليه من الفيض الإلهي والمواهب الربانية بأن يصرفها في غير موضعها رياءً وسمعة ، وطلب مراد هواه عند إظهار شيء منها وتصفية القلب عن السر والعقل بأن تصرفها فيها بنوع من التصرفات الفاسدة التي تفسد العقائد ، وتوقع في الشكوك والظنون الفاسدة والشبهات العقلية وغيرها من الآفات فكما لا يصلح هؤلاء لشركهم ؛ لأنكم معهم بمثابة الملوك مع العبد ، كذلك هم مع حسن استعدادكم في قبول الفيض الإلهي يا روح وأتباعه لا تصلحون أن تكونوا شركاء في كمالية ذاتي وصفاتي إذا تجليت عليكم ، فبسطوات أنوار جمالي وجلالي تنمحي آثار ظلمات أوصافكم وبأنوار صفاتي تشاهدون صفاتي فتسبحوني أن أكون صرت حالاً فيكم ، أو صرتم بعضاً مني أو تصيرون أنا ، أو أصير أنتم ، فإن " الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّار " ومن كبريائي ألا أكون جزءاً لأحد أو مثلاً ومن عظمتي أن لا يكون أحد جزئي ولا مثلي ، وأنا الذي { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] . ثم قال : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [ الروم : 28 ] نبينها ونشرحها { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الروم : 28 ] يفهمون رموزنا وإشاراتنا في تنزيه ذاتنا وصفاتنا عن مشابهته في دعاوى الخلق ومشاكلهم ، { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } [ الروم : 29 ] بوضع الشبهات والحسبانات من الدعاوى بالاتصال والاتحاد والحلول في غير موضعها ، { أَهْوَآءَهُمْ } حتى قالوا ما قالوا بالهوى ، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الروم : 29 ] حقيقي فضلوا بمتابعة الهوى ، { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } بالخذلان واتباع الهوى . { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ الروم : 29 ] في خلاصهم من خذلان الحق وبقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } [ الروم : 30 ] يشير إلى أهل الطلب من المحب الصادق أي : أخلص قصدك إلى الله واحفظ عهدك مع الله ، أقم عملك في سكناتك وحركاتك وجميع تصرفاتك لله حنيفاً مستقيماً في دينه ثابتاً في التوجه إليه ، معرضاً عما سواه والزم { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] إذ كنت مع الله بلا غفلة مع غيره مستمعاً لخطابه مصيباً لجوابه ، مشاهداً لوحدانية مخلصاً في توحيده ، مفرداً لفردانيته ، مفتخراً بعبوديته مستسلماً لأحكام ربوبيته ، مستأنساً بشهود جماله ، مستنيراً بأنوار جلاله . { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [ الروم : 30 ] أي : لا تحويل لما خلقهم ، فطر الناس كلهم على التوحيد فأقام قلب من خلقه للتوحيد والسعادة وأزاغ قلب من خلقه للإلحاد والشقاوة { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [ الروم : 30 ] القائم بالحق لا يغيره البلاء ولا تعتريه الأهواء . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } [ الروم : 30 ] أي : الناسين الله غير الذاكرين الله { لاَ يَعْلَمُونَ } [ الروم : 30 ] قدر التوجه إلى الله بالإعراض عما سواه .