Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 31-35)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } [ الروم : 31 ] راجعين إلى إلهيته بالخروج عن حبس أنانيته { وَٱتَّقُوهُ } أي : واتقوا به من غيره { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ الروم : 31 ] أي : أديموها بالحضور مع الله . { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الروم : 31 ] الملتفتين إلى غير الله ، { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } [ الروم : 32 ] الذين كانوا عليها في الفطرة التي فطر الناس عليها من التجريد والتفريد والتوحيد والمراقبة في مجلس الأنس والملازمة للمكالمة مع الحق ، { وَكَانُواْ شِيَعاً } [ الروم : 32 ] أي : وصاروا فرقاً : فريقاً : منهم مالوا إلى نعيم الجنان ، وفريقاً : منهم رغبوا في نعيم الدنيا بالخذلان ، وفريقاً : منهم وقعوا في شبكة الشيطان فساقهم إلى حب الشهوات وإلى درك النيران . { كُلُّ حِزْبٍ } [ الروم : 32 ] من هؤلاء الفرق { بِمَا لَدَيْهِمْ } [ الروم : 32 ] من مشتهى نفوسهم ومقتضى طباعهم ، { فَرِحُونَ } [ الروم : 32 ] فجالوا في ميدان الغفلات واستغرقوا في بحار الشهوات وظنوا بالظنون الكاذبة أن جذبتهم إلى ما هم فيه السعادة الحادثة ، فإذا انكشف ضباب فهمهم ، وانقشع سحاب جهدهم ، انقلب فرحهم ترحاً واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة ولم يفرحوا إلا في أوطان الجهالة ، وسوف ترى إذا تجلى الغبار أفرسٌ تحتك أم حِمار . ثم أخبر عن خصائص الإنسان الغالب عليه نسيان الإحسان بقوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } [ الروم : 33 ] يشير إلى طبيعة الإنسان أنها ممزوجة من هداية الروح وطاعته ، ومن ضلالة النفس وعصيانها وتمردها ، فإن الناس إذا أظلتهم المحنة ونالتهم الفتنة ومستهم البلية انكسرت نفوسهم وسكنت دواعيها وتخلصت أرواحهم عن أسر ظلمة شهواتها ورجعت على وفق طبعها المجبولة عليه إلى الحضرة ، ورجعت النفوس أيضاً بموافقة الأرواح على خلاف طباعها مفطورة في دفع البلية إلى الله مستغيثين بلطفه مستجيرين عن محنتهم ، مستكشفين الضر ، فإذا جاد عليهم بكشف ما نالهم ونظر إليهم باللطف فيما أصابهم . { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 33 ] وهم النفوس المتمردة يعودون إلى عادتهم المذمومة وطبيعتهم الدنيئة في كفران النعمة { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } [ الروم : 34 ] من النعمة والرحمة ، ثم هددهم بقوله : { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الروم : 34 ] ما جزاء ما تعملون على وفق طباعكم واتباع لهواكم . وبقوله : { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 35 ] يشير إلى أن أعمال العباد إذا كانت مقرونة بالحجة المنزلة تكون حجة لهم ، وإذا كانت من نتائج طباع نفوسهم الخبيثة يكون عليهم .