Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 35-37)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن المسلمين والمسلمات من أهل البدايات والنهايات بقوله : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] المسلم هو المستسلم للأحكام الأزلية بالطوع والرغبة مسلما نفسه إلى المجاهدة والمكابدة ومخالفة الهوى ، وقد سلم المسلمون من لسانه ويده { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] والمؤمن من آمنه الناس وقد أحيا الله قلبه أولا بالفعل ، ثم بالعلم ثم بالفهم ثم بنور الله ثم بالتوحيد ثم بالمعرفة ثم أحياه بالله { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] القنوت استغراق الوجود في الطاعة والعبودية { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] في عقودهم وعهودهم ورعاية حدودهم والصدق نور الهدى لقلوب الصديقين بحسب قربهم من ربهم { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] على الخصال الحميدة وعن الصفات الذميمة ، وعند جريان مفاجأة القضية في الابتداء ونزول البلاء { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] الخشوع إطراق السريرة عند توارد الحقيقة { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] بأموالهم وأعراضهم حتى لا يكون لهم مع أحد خصمه ، فيما نالوا منهم وحقيقة الصدقة ما يكون بالأحوال على أرباب الطلب { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] الممسكين عما لا يجوز في الشريعة والطريقة بالقلب والقالب فصوم القالب بالإمساك عن الشهوات وصوم القلب بالإمساك عن رؤية الدرجات والقربات { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] في الظاهر عن الحرام وفي الحقيقة عن تصورات المكونات { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] بجميع أجزاء وجودهم الجسمانية والروحانية بجميع ذرات المكونات بل بالله وجميع صفاته { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم } [ الأحزاب : 35 ] في الأزل وهم في العدم { مَّغْفِرَةً } [ الأحزاب : 35 ] وهي نور من أنوار جماله ، فلما خرجوا من العدم جعل نور المغفرة مغفراً لرأس روحهم يغطيهم عما يقطعه عن الله { وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] والعظيم هو الله يعني أجراً من مواهب ألطافه بتجلي ذاته وصفاته . ثم أخبر عن نفي الخيرة عن البرية بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } [ الأحزاب : 36 ] يشير إلى أن العبد ينبغي أن لا يكون له اختيار ما بغير ما اختاره الله له بل تكون خيرته فيما اختاره الله له ، ولا يعترض على أحكامه الأزلية عند ظهورها بل له الاحتراز عن شيء شر ما قضى الله قبل وقوعه ، فإذا وقع الأمر فلا يخلو ، إما أن يكون موافقاً للشرع أو مخالفاً للشرع ، فإن يكن موافقاً للشرع فلا يخلو إما أن يكون موافقاً لطبعه أو مخالفاً لطبعه ، فإن يكن موافقاً لطبعه فهو نعمة من الله يجب عليه شكرها ، وإن يكن مخالفاً لطبعه فيستقبله بالصبر والتسليم والرضا ، وإن يكن مخالفاً للشرع يجب عليه التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله تعالى من غير اعتراض على الله فيما قدر وقضى وحكم به ، فإنه حكيم يفعل ما يشاء بحكمته ويحكم ما يريد لعزته { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ } [ الأحزاب : 36 ] عن الصراط المستقيم { ضَلاَلاً مُّبِيناً } [ الأحزاب : 36 ] بيان للشرع { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 37 ] بأن أوقعه في معرض هذه الفتنة العظيمة والبلية الجسيمة وقواه على احتمالها وأعانه على التسليم والرضا ، فيما يجري الله عليه وفيما يحكم به عليه من مفارقة الزوجة وتسليمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأن ذكر اسمه في القرآن من بين الصحابة وأفرده به وأنعمت عليه بقبول زينب بعد أن أنعمت عليه بإيثارها عليه بقولك { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [ الأحزاب : 37 ] وبإقبالك عليه وبتثبيتك له ، وأما بقوله تعالى : { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 37 ] يشير إلى أنني أتقي الله في طلبها فأنت اتق الله في طلاقها وإمساكها وبقوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } [ الأحزاب : 37 ] يشير إلى أنك تعلم ما أعلمك أنها ستكون زوجك وأنت تخفي في نفسك هذا المعنى والله يريد أن ينجز لك وعده ويبدي أنها زوجك بقوله { زَوَّجْنَاكَهَا } [ الأحزاب : 37 ] { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } أي : تخشى عليهم أن يقعوا في الفتنة أن يخطر ببالهم نوع إنكار أو اعتراض عليه أو شك في نبوته ، فإن النبي من تنزه عن مثل هذا الميل ويتبع الهوى فيخرجهم من الإيمان إلى الكفر ، فكانت تلك الخشية إشفاقاً عليهم ورحمة بهم أنهم لا يطيقون سماع هذه الحالة ولا يقدرون على تحمله وبقوله : { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [ الأحزاب : 37 ] يشير إلى أن رعاية جانب الحق أحق من رعاية جانب الخلق ؛ لأن لله تعالى في إبداء هذا الأمر وإجراء هذا القضاء حكماً كثيرة فأقصى ما يكون في رعاية جانب الخلق أن لا يضل بعض الضعفاء ، فلعل الحكمة في إجراء هذا الحكم فتنة لبعض الناس المستحقين للضلالة والإنكار ؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، وهذا كما قال تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } [ الإسراء : 60 ] قالوا : وجب على النبي صلى الله عليه وسلم إذا عرض له أمران في أحدهما رعاية جانب الحق وفي الآخر رعاية جانب الخلق أن يختار رعاية جانب الحق على الخلق ، فإن للحق تعالى في إجراء حكم من أحكامه وإمضاء أمر من أوامره حكما كثيرة ، كما قال تعالى في إجراء تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لزينب قوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } أي : فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضى منهن وطرا ، أما وطر زيد في الصورة استيفاء حظه منها بالنكاح ووطره في المعنى شهرته في الخلق إلى قيام الساعة بأن الله ذكره في القرآن باسمه دون جميع الصحابة ، وبأنه آثر النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه بإيثار زينب { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي : ما قدر { مَفْعُولاً } لا يمكن لأحد دفعه ولو كان نبياً .