Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 41-50)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر بعد السير في الفلك بقوله تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ يس : 41 ] ، يشير إلى حمل عباده في سفينة الشريعة خواضهم في بحر الحقيقة ، دعواتهم في بحر الدنيا ، فإن من نجا من تلاطم أمواج الهوى في بحر الدنيا ، إنما نجا بحمله العناية في سفينة الشريعة ، وكذلك من تلاطم أمواج الشبهات في بحر الحقيقة بحمله عواطف إحسان ربه في سفينة الشريعة ، بملاحية أرباب الطريقة . { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [ يس : 42 ] وهو جناح من المشايخ الواصلين الكاملين ، { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } [ يس : 43 ] يعني : العوام في بحر الدنيا ، والخواص في بحر الحقيقة بكسر سفينة الشريعة كما ركب كثير من المتمنين بحر الحقيقة بلا سفينة الشريعة ، أو كسروا الشريعة أُغرِقوا فأُدخلوا ناراً { فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ * إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } [ يس : 43 - 44 ] ، وهم المشايخ ، فإنهم صورة رحمة الحق تعالى ، { وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } أي : حين تدركهم العناية الربانية . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ } [ يس : 45 ] ، احذروا { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } [ يس : 45 ] من الدنيا وما فيها من شهواتها ولذائذها ، { وَمَا خَلْفَكُمْ } [ يس : 45 ] من الآخرة وما فيها من نعيمها وحورها وقصورها وأشجارها وأثمارها وأنهارها ، وما تشتهي الأنفس وتَلذ الأعين فيها { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ يس : 45 ] بمشاهدة الجمال ومكاشفة الجلال وكمالات الوصال . { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ } [ يس : 46 ] ، وهم الرجال البالغون الكاملون في الدين من أرباب الحقيقة وأهل اليقين { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } [ يس : 46 ] ، هذا حال المسيئين في أودية الخذلان الموسومين بسمة الحرمان ، فلا يأتيهم منه آية من آيات الله ؛ لينجيهم من بحر الغفلة ويريحهم من تيه الحيرة إلا قابلوه بإعراضهم ونازعوه باعتراضهم . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله } [ يس : 47 ] ، من الأموال والأهالي في طلب الحق تعالى بالتجريد والتفريد ، { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ يس : 47 ] به : { أَنُطْعِمُ } [ يس : 47 ] ، من أموالنا { مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] خيراً من أموالنا ، { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يس : 47 ] في طلب الحق وترك الدنيا ، بل هذا قول الرجال البالغين لهؤلاء الذين لعب بهم الشيطان وأضلَّهم عن سبيل الرَّشاد ، { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يس : 47 ] ، في طلب الدنيا وترك لقاء المولى ، ومن غاية ضلالتهم وفرط جهالتهم ، { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يس : 48 ] ، يستعجلون تخوم الساعة ويستبطئون قيام القيامة ، لا عن تصديق يزيحهم عن شكهم ، أو خوف يمنعهم عن غيهم ، ولكن تكذيباً لدعوة الرسل ، وإنكاراً على أوضح السبل ، واستبعاداً للنشر والحشر . قال الله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } [ يس : 49 ] ، بإنكار النشر والحشر أهل الإقرار به ، { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } [ يس : 50 ] أي : توصية بعضهم بعضاً في ترك الخصومة { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } [ يس : 50 ] للاستبصار .