Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-59)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] يشير إلى نفخ إسرافيل المحبَّة في صور القلب ، وإذا السر والروح والخفى من أحداث أوصاف البشرية إلى نفخ إسرافيل وهم يرجعون بعضهم بالسير وبعضهم بالطير ، { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا } [ يس : 52 ] أي : من رقادنا في الغفلة { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] غير فضل الله وكرمه ، { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } [ يس : 52 ] من كمال رحمته { وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 52 ] فيما بلغوا من ألطاف الحق تعالى ، { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يس : 53 ] يشير إلى جذبة واحدة ، { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] بالخروج من لدنهم والغيبة عنهم . { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ يس : 54 ] من استحقاقها وما هي مستعدة لقبوله ، { وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ يس : 54 ] ، فمن عمل للدنيا يُجزى من الدنيا ، ومن عمل للآخرة يُجزى منها ، ومن عمل لله يُجزى عواطف حسانه وشواهد سلطانه . ثم أخبر عن أهل الجنان وأرباب الجنان بقوله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } [ يس : 55 ] وفيه إشارة : منها : إنه لما كان الغالب عليهم طلب الجنة والأخذ بمجامع قلبهم أَمْرُها : أضيفوا إليها ، قيل لهم : إن أصحاب الجنة كما أنه من الغالب عليه طلب الدنيا ، وهو في أسْرِها أضيف إليها ، وقيل له : صاحب الدنيا . ومنها : إنه لما كانت هممهم مقصورة على طلب الجنة شغلهم الله بالفاكهة مع أزواجهم عن طلب الله دون المعاشقة عند المشاهدة والمعاينة ، وهو قوله : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } [ يس : 56 ] أي : يكونوا متكئين على هذه الحالة وهذه الأحوال ، وإن جلت عنهم بالنسبة إلى أصحاب الجحيم ، ولكنها بالإضافة إلى أحوال السادة والأكابر من الملوك والسلاطين ، الذين هم أهل الله وخاصته يتقامرون . وعلى هذا يدل قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أكثر أهل الجنة البله " ، عن بعض أرباب النظر أنه كان واقفاً على باب الجامع يوم الجمعة ، والخلق قد فرغوا من الصلاة وهم يخرجون عن الجامع ، قال : " هؤلاء حشر الجنة " ، وللمجالسة أقوام آخرون ، ومن كان في الدنيا عن الدنيا حُراً فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حراً ، { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 105 ] ، ولعل يكون هذا الخطاب لأقوام فارغين عن الالتفات إلى الكونين مراقبين للمشاهدات ، الذين قال الله فيهم : { فَإِذَا فَرَغْتَ } [ الشرح : 7 ] بعني : عن تعلقات الكونين { فَٱنصَبْ } [ الشرح : 7 ] ؛ أي : اطلب الحق تعالى : { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } [ الشرح : 8 ] ، فيقول لهم : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } [ يس : 55 ] { وَأَزْوَاجُهُمْ } [ يس : 56 ] أي : أشكالهم ، فارغبوا أنتم إليَّ واشتغلوا بي ، وتنعموا بنعيم وصالي ، وتلذذوا لمشاهدة جمالي ، وتصدروا بطالعة جلالي . وقيل : قرئ عند الشبلي قوله : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ … } [ يس : 55 ] الآية ، فشهق شهقة وغاب فلما أفاق قال : فإنهم مساكين لو علموا أنهم عما شغلوا لهلكوا . ومنها : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } ، يعني : في الدنيا { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } بأنواع الطاعات والعبادات عن طلب الحق والشوق إلى لقائه كانوا يطلبون منه ، وما كانوا يطلبون كما روي عن يحيى بن معاذ أنه قال : رأيتُ ربَّ العزة في منامي ، فقال لي : يا معاذ كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد ، فإنه يطلبني . وروي عن أبي يزيد أنه قال : رأيت ربي في المنام ، فقال لي : يا أبا يزيد أنا بدك اللازم فالزم بدك . فاعلم أن كل مطلوب يوجد في الآخرة أنه ثمرة بذر طلبه في الدنيا ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " يموت الناس على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه " . ومنها : يجود كمال كرمه أنه تعالى يخاطب بهذا الأقوام من عصاة الموحدين ، وهم في العرصات بعد لم يدخلوا الجنة ، فيقول الحق تعالى لهم : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 53 ] إن كان أهل النار لا يتفرغون إليكم لأهوالهم ، وما هم فيه من صعوبة أحوالهم ، وأهل الجنة وأصحابها اليوم في شغل عنكم في لذاتهم ، وما وجدوا من أفضالهم مع أهاليهم وأشكالهم ، فليس لكم اليوم إلا أنا من فرط كرمي ورحمتي ، فيدعون منه السلامة عن النار برحمته ، ودخول الجنة بكرمه ، فيعطي سؤلهم ويبذل مأمولهم ، وذلك تحقيق قوله : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 57 - 58 ] . ومنها : إن لله عباداً استخصَّهم للتخلق بأخلاقه في سر قوله : " كنت له سمعاً وبصراً فبي يسمع وبي يبصر " ، فلا يشغلهم شأن اشتغالهم بأبدانهم مع أهلهم عن شأن شهود مولاهم في الجنة ، كما أنهم اليوم مستديمون لمعرفته بأي حال من حالاتهم ، ولا يقدح اشتغالهم باستيفاء حظوظهم من معارفهم ، ويقول : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] ، يشير إلى أن سلامه تبارك وتعالى كان قولاً منه بلا واسطة وأكَّده بقوله : { مِّن رَّبٍّ } ليعلم أنه ليس سلام على لسان سفيره ، وقوله : " من رحيم " فالرحمة في تلك الحالة أنه يرزقهم الرؤية في حال ما تسلم عليهم ؛ ليكمل لهم النعمة . وإشارة أخرى أن السلام من الرب الرحيم لو لم يكن صادراً عند تجليه جل جلاله لأهل الجنة لتلاشت من سطوة جلاله الجنة وما فيها ، كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على بساط قرب أو أدنى في خلوة " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ؛ بتجلي ذاته وصفاته سبحانه وتعالى على وجه لم يتخصص به أحد من العالمين قبله ولا بعده ، ما أثبته إلا قوله تعالى : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ، ما سلم من تلك السطوة إلا في حفاوة سلامه كما سلم إبراهيم عليه السلام من البرد حين قال : { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] ، وبقوله : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] يشير إلى امتياز المؤمن والكافر في المحشر والمنشر بابيضاض وجه المؤمن ، واسوداد وجه الكافر ، وبإيتاء كتاب المؤمن بيمينه ، وبإيتاء كتاب الكافر بشماله ، وبثقل الميزان بالنور وبخفّه بالظلمة ، وثبات القدم على الصراط وزلة القدم … وغير ذلك .