Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 158-170)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن غاية جهالتهم ونهاية ضلالتهم بقوله تعالى : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] ، يشير إلى أجنية الإنسان وقصور نظر عقله عن كمال أحدية الله وجلال صمديته ؛ إذ وكل الإنسان إلى نفسه في معرفة ذات الله وصفاته ، فيقيس ذاته على ذاته ، وصفاته على صفاته ، فيثبت له نسباً كما له نسب ، ويثبت له زوجةً وولداً كما له زوجة وولد ، ويثبت له جوارح كما له جوارح ، ويثبت له مكاناً كما له مكان ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، وهو يقول تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] . وبقوله : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [ الصافات : 158 ] يشير إلى أن الجنة قد علمت أن لا نسبة لها مع الله تعالى ، وعلمت أن قائلي هذه المقالة لمحضرون في النار ، ثم نزه نفسه عما يصفه الواصفون لعقولهم وأرائهم ، فقال تعالى : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 159 ] ؛ يعني : أهل الأهواء أو البدع ، { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 160 ] ؛ يعني : إلا من أخلصه الله عن ضلالة الإنسانية بهداية الربانية فإنهم يعرفون الله بنور الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " عرفت ربي بربي ، ولولا فضل ربي ما عرفت ربي " . وبقوله : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } [ الصافات : 161 - 162 ] ، يشير إلى أن أهل الضلالة وما هم يعبدون في ضلالتهم ليسوا على شيء في الإضلال من أحد ، إلا من قدر الله أن يكون من أهل النار فحينئذٍ يضلون بتقدير الله ، وذلك قوله : { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 163 ] . وبقوله : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] يشير إلى أن للملك مقاماً معلوماً لا يتعدى حده ، وهو المقام الملك الروحاني أو الكروبي ، والكروبي لا يقدم على مقام الروحاني ؛ فلا عبور لهم من مقامهم إلى مقام فوق مقامهم ، ولا نزول لهم إلى مقام دون مقامهم ، ولهم بهذا فضيلة على إنسان يبقى في أسفل السافلين والدرك الأسفل من النار ، وللذين عبروا منهم عن أسفل السافلين بالإيمان والعمل الصالح وصعدوا إلى عليين ، بل ساروا إلى مقام قاب قوسين أو أدنى ، بل طاروا إلى منزل أو أدنى فضيلة عليهم ؛ ولهذا أمروا بسجدة أهل الفضل منهم بقوله : { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص : 72 ] ، فللإنسان أن ينزل من مقام الإنسانية إلى درك الحيوانية ، كقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] وله أن يترقى بحيث يعبر عن مقام الملكي ، ويقال له : تخلقوا بأخلاق الله ، ولو كان من مفاخر الملك أن يقول : وإنا لنحن الصادقين ؛ يعين : في الصلاة والعبودية ، فإن للإنسان معه شركة في هذا ، وللإنسان صفة يحبها الله وليس للملك فيه شركة ، وذلك قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] ، وأن يقولوا : { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } [ الصافات : 166 ] أيضاً للإنسان معهم شركة ، ومن مفاخر الإنسان أن يقولوا : وإنا نحن لمحبون وإنا لنحن المحبوبون وهم مخصوصون به في الترقي من مقام المحبية إلى مقام المحبوبية ، وبقوله : { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الصافات : 167 - 170 ] يشير إلى تنزل الإنسان إلى الدرك الأسفل .