Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ صۤ } [ ص : 1 ] ، بقوله : { صۤ } يشير إلى : القسم بصاد الصمدية في الأزل ، وبصاد صانعيته في الأواسط ، وبصاد صبوريته في الأبد ، وبصاد صدق الذي جاء بالصدق ، وبصاد صديقيته الذي صدق به ، وبصاد صفاء صفوته في مودته ومحبته ، وبقوله : { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] ، يشير إلى : القسم بالقرآن الذي هو مخصوص بالذكر ؛ وذلك لأن القرآن قانون معالجات القلوب المريضة ، وأعظم مرض القلب نسيان الله تعالى ، كما قال تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] ، وأعظم علاج مرض النسيان ذكر الله ، كما قال تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ؛ ولأن العلاج بأضدادها . وبقوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ ص : 2 ] ، يشير إلى : انحراف مزاج قلوب الكفار لمرض نسيان الله تعالى من اللين والسلامة إلى الغلظة والقساوة ، ومن التواضع إلى التكبر ، ومن الوفاق إلى الخلاف ، ومن الوصلة إلى الفرقة ، ومن المحبة إلى العداوة ، ومن مطالعة الآيات إلى الإعراض عن البحث للأدلة والسير للشواهد . { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ } [ ص : 3 ] عند هجوم البلاء ، { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ ص : 3 ] إذ فات وقت الإشكاء ، { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ ص : 4 ] ولم يعجبوا أن يكون المنحوتات آلهة ، وهذه مناقضة ظاهرة ، فلما تحيروا في شأن أنبيائهم رموهم بالسحر ، { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ ص : 4 ] ، والإشارة في هذا أنهم لما كان منحرف مزاج القلوب بمرض نسيان الحق ، جاءت النبوة على مذاق عقولهم المتغيرة سحراً ، والصديق كذاباً ، ومن حول نظرهم رأوا الإله الواحد آلهة ، وقالوا : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 5 ] ولم يعلموا أنهم جعلوا الإله الواحد آلهة ، { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] ، لم تباشر خلاصة التوحيد قلبهم ، وتعدوا عن ذلك تجويزاً ، فضلاً عن أن يكون إثباتاً وحكماً ، فلا عرفوا الله ولا معنى الإلهية ، فإن الإلهية ؛ هي القدرة على الاختراع ، وتقدير قادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجوده المانع بينهما وجوازه ، وذلك يمنع من كمالهما ، ولو لم يكونا كمالي الوصف لم يكونا إلهين ، وكل أمر جر تنويه بسقوطه مطوع باطل بقوله : { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } [ ص : 6 ] ، يشير إلى : إن الكفار إذا تواصلوا فيما بينهم بالصبر على آلهتهم ، فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم ، والاستقامة في دينهم ، بل الطالب الصادق ، والعاشق الوامق أولى بالصبر والثبات على قدم الصدق في طلب المعبود المحبوب المعشوق ، { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ ص : 6 ] في الأزل في المقبول والمردود . وبقوله : { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ ص : 7 ] ، يشير إلى أن ركون الجهال إلى البشرية والعادة وما وجدوا عليه أسلافهم من الضلالة ، واستناموا إلى التقليد والهوادة ، وبقوله : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } [ ص : 8 ] ، يشير إلى أن القرآن قديم ؛ لأنه سماه الذكر ، ثم أضافه إلى نفسه تعالى بقوله : { مِّن ذِكْرِي } [ ص : 8 ] ، ولا خفاء بأن ذكره قديم ؛ لأن الذكر المحدث يكون مسبوقاً بالنسيان ، وهو منزه عن النسيان ، وبقوله : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ ص : 8 ] ، فيشير إلى أنهم مستغرقون في عذاب الطرد والبعد ونار القطيعة ، ولكنهم عن ذوق العذاب بمعزل ؛ لغلبة الحواس إلى أن يكون { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] ، فيغلب السرائر على الصور ، والبصائر على البصر ، فيقال لهم : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ الأحقاف : 34 ] ؛ يعني : كنتم معذبين ، وما كنتم ذائقي العذاب ؛ فالمعنى : إنهم لو ذاقوا عذابي ووجدوا ألماً لما قدموا على ما أسرفوا فيه من جحودهم ، وفيه إشارة إلى حال أكثر علماء زماننا وعُبَّادهم أنهم إذا رأوا عالماً ربَّانياً من أرباب الحقائق يخبر عن حقائق لم يفهموها ، ويشير إلى دقائق لم يذوقوها ، دعتهم النفوس المتمردة إلى تكذيبه ، ويقولون : أكوشف هو بهذه الحقائق من بيننا ، ويقعون في الشك من أمرهم ، لو استبصروا في دينهم لما جحدوهم ، واغتنموا أنفاسهم ، واقتبسوا من أنوارهم .