Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 9-17)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن جهالة الكفار وضلالتهم بقوله تعالى : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } [ ص : 9 ] ، يشير إلى أنه هو العزيز الذي له خزائن الرحمة ، ومن دونه فهو ذليل له لاحتياجه إليه ، وهو الوهاب الذي يهب لمن يشاء ما يشاء ، وفيه آل هؤلاء الكفار الذين عارضوا ونازعوا وكابروا واجتمعوا عندهم شيء من هذه الأشياء ، فيفعلوا ما أرادوا ، أو يعطوا ما شاءوا ، ويرتقوا إلى السماء فيأتوا بالوحي على من أرادوا ، ويهلكوا من أرادوا . { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } [ ص : 10 ] ؛ بل الله يصطفي من يشاء ، ويؤتي من يشاء لعزته ، وهم { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } [ ص : 11 ] ، كلهم عجزة لا يقدرون على ذلك مهزومون ، شبههم في بقائهم عن مرادهم بالمهزومين ؛ أي : إن هؤلاء الكفار ليس معهم حجة سؤالهم قوة ، ولا لأصنامهم أيضاً من النفع والضر مكنة ، ولا في الدفع والرد عن أنفسهم قوة ، وبقوله : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } [ ص : 12 - 13 ] ، يشير إلى تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتصفيته عن اهتمام كفار مكة ؛ لئلا يفيق قلبه عن تكذيبهم إياه ، ولا يحزن عليهم لكفرهم فإن هؤلاء الأحزاب . { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } [ ص : 14 ] كما أن قومك كذبوك ، { فَحَقَّ عِقَابِ } [ ص : 14 ] ؛ أي : فوجب عليهم عذابي ؛ ليكونوا مظهر قهري ، ومطلب نار غضبي ، { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ } [ ص : 15 ] كلهم ، { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } [ ص : 15 ] أثراً من أثار قهرنا ، { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } [ ص : 15 ] راحة وخلاص ، وبقوله : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] ، يشير إلى أن النفوس الخبيثة السفلية تميل بطبعها إلى السفليات ؛ وهي في الدنيا لذائذ الشهوات الحيوانية ، وفي الآخرة دركات أسفل سافلين جهنم ، كما أن القلوب العلوية اللطيفة تميل بطبعها إلى العلويات ؛ وهي في الدنيا حلاوة الطاعات ولذاذة القربات ، وفي الآخرة درجات أعلى علِّيِّين الجنان ، وكما أن الأرواح القدسية تشتاق بخصوصيتها إلى شواهد الحق ، ومشاهد أنوار الجمال والجلال ، ولكل من هؤلاء الأصناف جذبة بالخاصية من جاذبة بلا اختيار : كجذبة المغناطيس للحديد ، وميلان طبع الحديد إلى المغناطيس من غير اختيار بل باضطرار ، { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ ص : 17 ] فيما يلتمسون من تعجيل العذاب ، فعن قريب سينزل الله نصرك يا محمد ويعطيهم سؤلهم . ثم أخبر عن توبة داود وأوابته بقوله تعالى : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ ص : 17 ] ، يشير إلى كماليته في العبودية بأنه لم يكن عبد الدنيا ولا عبد الآخرة ، وإنما كان عبدنا خالصاً مخلصاً ، وله قوة في العبودية ظاهراً وباطناً : فأما قوته في الظاهر : فبأنه قتل جالوت وجنوده بثلاثة أحجار رمياً إليهم . وأما قوته في الباطن : إنه كان أوّاباً ، وقد سرت أوابيته في الجبال والطير فكانت تأوّب معه .