Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 17-20)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر أن عباد الله قد اجتنبوا طاغوت الهوى بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [ الزمر : 17 ] ، يشير إلى أن طاغوت كل أحد نفسه ، وإنما يجتنب عبادة الطاغوت من خالف هوى نفسه ، وعانق رضاء مولاه ، ورجع إليه بالخروج عما سواه رجوعاً بالكلية ، وبقوله : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [ الزمر : 17 - 18 ] ، يشير إلى معانٍ كثيرة : منها : إن أهل البشارة من يكون مخصوصاً بخاصية العبدية التي هي فصاحة إلى الله ؛ أي : يكون جسداً عما سوى الله . ومنها : إنهم مبشرون بالوصول والوصال ، كما قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } [ الزمر : 18 ] إلى الحضرة . ومنها : إن الألف واللام في القول المعموم ، فيقتضي أن لهم حسن الاستماع في كل قول من القرآن وغيره ، ولهم أن يتبعوا أحسن من يحتمل كل قول إتباع درايته والعمل به ، وأحسن كل قول ما كان من الله أو لله ، أو يهدي إلى الله ، وعلى هذا يكون استماع أتباع قول القوال من هذا القبيل . ومنها : إن القول يسمع الإنسان والشيطان والنفس والملك والإله عز وجل ، فيسمع من الإنسان أن الحق والباطل ، ومن الشيطان الباطل ، فإنه يشير إلى المعاصي دعوة الشهوات مما لها فيه نصيب ، ومن الملك دعوة الطاعات ، ومن الحق تعالى الخطاب في حقائق التوحيد والدعوة إلى الحضرة ، كما قال تعالى : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، وقال : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] ، فأحسن الأقوال قول الله ، وأحسن الاستماع أن يستمعوا من الله ، ومن عرف الله لا يسمع إلا بالله ومن الله ، ومن أحسن أن يسمع من الله أحسن أن يسمع عباد الله ، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } [ الزمر : 18 ] بجذبات ألطافه إلى أعطافه { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 18 ] الذين عبروا عن قشرية الأشياء ووصلوا إلى ألباب حقائقها . وبقوله : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ الزمر : 19 ] ، يشير إلى أن من حق عليه في القسمة الأولى أن يكون مظهراً لصفات قهره إلى الأبد لا ينفعه شفاعة الشافعين ، ولا يخرجه من جهنم سخط الله وطرده ، وبعده جميع الأنبياء والمرسلين ، { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ } [ الزمر : 20 ] اليوم من الشرك والمعاصي ، والزلات والشهوات ، وعبادة الهوى والركون إلى غير المولى ، فقد أنقذهم الله في القسمة الأولى من أن يحق عليهم كلمة العذاب ، وحق عليهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه إلى الأبد ، { لَهُمْ غُرَفٌ } [ الزمر : 20 ] بحسب مقاماتهم في التقوى ، { مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } [ الزمر : 20 ] ؛ أي : ما لا نهاية له من غرفات المعارف ، والقربات مبينة بأيدي أعمال السالكين وأحوال المجذوبين بعضها فوق بعض { مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الزمر : 20 ] أنهار الحكم والأسرار ، { وَعْدَ ٱللَّهِ } [ الزمر : 20 ] الذي وعد التائبين بالمغفرة ، والمطيعين بالجنة ، والمشتاقين بالرؤية ، والعاشق الصادق بالقربة والوصلة ، { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [ الزمر : 20 ] إذا لم يقع لهم فترة ، ولا محالة بصدق وعده .